للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا إلهَ سواه؟ ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا﴾. يقولُ: فإن انقادُوا لإفرادِ الوحدانيةِ للهِ، وإخلاصِ العبادةِ والألوهِة له، ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾، يَعنى: فقد أصابُوا سبيلَ الحقِّ، وسلَكوا مَحَجَّةَ الرُّشْدِ.

فإن قال قائلٌ: وكيفَ قيل: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ عَقِيبَ الاستفهامِ؟ وهل يجوزُ على هذا في الكلامِ أن يقالَ لرجلٍ: هل تقومُ؟ فإن تَقُمْ أُكرِمْك؟.

قيل: ذلك جائزٌ إذا كان الكلامُ مُرادًا به الأمرُ، وإن خرَج مَخْرجَ الاستفهامِ، كما قال جلّ ثناؤه: ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١]. يَعنى: انتَهُوا. وكما قال جلّ ثناؤه مُخْبِرًا عن الحَواريِّين أنهم قالوا لعيسى: ﴿يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [المائدة: ١١٢]. وإنما هو مسألةٌ، كما يقولُ الرجلُ: هل أنت كافٌّ عَنَّا؟ بمعنى: اكفُفْ عنَّا. وكما يقولُ الرجلُ للرجلِ: أين أين؟ بمعنَى: أَقِمْ فَلا تَبْرَحْ. ولذلك جُوزِي في الاستفهامِ كما جُوزِى في الأمرِ في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (هل أدُلُّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليمٍ * آمِنوا) (١). ففَسَّرها بالأمرِ (٢)، وهي في قراءتِنا على الخبرِ، فالمُجازاةُ في قراءتِنا على قولِه: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾. وفي قراءةِ عبدِ اللَّهِ على قولِه: (آمِنُوا) على الأمرِ؛ لأنه هو التفسيرُ.

و [بنحوِ معنَى] (٣) ما قلنا في ذلك قال بعضُ أهلِ التأويلِ.


(١) من الآية ١٠، ١١ من سورة الصف، وهذه القراءة ذكرها الفراء في معاني القرآن (١/ ٢٠٢) وأبو حيان في البحر المحيط (٨/ ٢٦٣) وهي قراءة شاذة لمخالفتها رسم المصحف.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "بالأمن".
(٣) في س: "بمعنى".