للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (١).

فاحتجَّ اللهُ لنبيِّه محمدٍ أبلغَ حُجةٍ وأوجزَها وأكملَها، وعلَّمها محمدًا نبيَّه فقال: يا محمدُ، قل للقائلين لك من اليهودِ والنصارَى ولأصحابِك: كونوا هُودًا أو نَصارَى تَهْتَدُوا-: بل تعالَوْا فلنَتَّبِعْ مِلَّةَ إبراهيمَ التي يُجْمِعُ (٢) جميعُنا على الشهادةِ لها بأنها دينُ اللهِ الذي ارْتَضاه واجْتَباه وأمَر به، فإنَّ دينَه كان الحَنِيفيةَ المسلِمةَ، ونَدَعْ سائرَ المللِ التي نَخْتَلِفُ فيها فيُنكرُها بعضُنا ويُقِرُّ بها بعضُنا، فإن ذلك على اختلافِه لا سبيلَ لنا إلى (٣) الاجتماعِ عليه، كما لنا السبيلُ إلى الاجتماعِ على ملةِ إبراهيمَ.

وفي نَصْبِ قولِه: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ أوجُهٌ ثلاثةٌ:

أحدُها: أن يُوَجَّهَ معنى قولِه: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ إلى معنى: وقالوا: اتَّبِعُوا اليهوديةَ والنصرانيةَ. لأنهم إذ قالوا: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ إلى اليهوديةِ والنصرانيةِ دَعَوْهم، ثمَّ يُعطَفُ على ذلك المعنى بالملةِ، فيكونُ معنى الكلامِ حينئذٍ: قلْ يا محمدُ: لا نتّبعُ اليهوديةَ والنصرانيةَ، ولا نتّخِذُها ملةً، بل نتّبعُ ملةَ إيراهيمَ حنيفًا. ثمَّ يُحذَفُ "نَتّبعُ" الثانيةُ، ويُعطَفُ بالملةِ على إعرابِ "اليهوديةِ" و"النصرانيةِ".

والآخرُ: أن يكونَ نَصْبُه بفعلٍ مُضْمَرٍ بمعنى "نتّبعُ".

والثالثُ: أن يكونَ أُريدَ: بل نكونُ أصحابَ ملةِ إبراهيمَ، أو أهلَ ملةِ إبراهيمَ. ثمَّ حذَف الأهلَ والأصحابَ، وأُقِيمتِ الملةُ مُقامَهم، إذ كانت مُؤَديةً عن


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٤٩، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٤١ (١٢٩٠) من طريق يونس به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٤٠ إلى ابن المنذر. وينظر تفسير البغوي ١/ ١٥٥، وتفسير ابن كثير ١/ ٢٧١.
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "تجمع".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "على".