للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾. هو وصفُهم بالاستكبارِ والإعراضِ عن الذي دُعوا إليه مِن الإقرارِ بالحقِّ تكبُّرًا: أخْبِرونا عن استكبارِ الذين وصَفهم اللَّهُ جلَّ ثناؤُه بهذه الصفةِ، وإعراضِهم عن الإقرارِ بما دُعوا إليه مِن الإيمانِ وسائرِ المعاني اللواحقِ به، أفعلٌ منهم أم فعلٌ مِن اللَّهِ جلّ ثناؤُه بهم (١)؟

فإن زعَموا أن ذلك فعلٌ منهم - وذلك قولُهم - قيل لهم: فإن اللَّهَ - جلّ وعزّ - قد أخْبَر أنه هو الذي ختَم على قلوبِهم وسمعِهم، وكيف يجوزُ أن يكونَ إعراضُ الكافرِ عن الإيمانِ، وتكبُّرُه عن الإقرارِ به، وهو فعلُه عندَكم، ختمًا مِن اللَّهِ على قلبِه وسمعِه، وختمُه على قلبِه وسمعِه فعلُ اللَّهِ (٢) جَل ذكرُه دونَ فعلِ الكافرِ. فإن زعَموا أن ذلك جاز (٣) أن يكونَ كذلك لأن تكبُّرَه وإعراضَه كانا عن ختمِ اللَّهِ على قلبِه وسمعِه، فلما كان الختمُ سببًا لذلك جاز أن يُسَمَّى مسبِّبُه به - ترَكوا قولَهم، وأوْجَبوا أن الختمَ مِن اللَّهِ تعالى ذكرُه على قلوبِ الكفارِ وأسماعِهم معنًى غيرُ كفرِ الكافرِ، وغيرُ تكبُّرِه وإعراضِه عن قَبولِ الإيمانِ والإقرارِ به، وذلك الدخولُ (٤) فيما أنْكَروه.

وهذه الآيةُ مِن أوضحِ الدليلِ (٥) على فسادِ قولِ المنكرين تكليفَ ما لا يُطاقُ إلا بمعونةِ اللَّهِ جلَّ ذكرُه؛ لأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعز - أخْبَر أنه ختَم على قلوبِ صِنْفٍ مِن كفارِ عبادِه وأسماعِهم، ثم لم يُسْقِطِ التكليفَ عنهم، ولم يَضَعْ عن أحدٍ منهم فرائضَه، ولم يُعْذِرْه في شيءٍ مما كان منه مِن خلافِ طاعتِه بسببِ ما فعَل به مِن الختمِ


(١) سقط من: ص.
(٢) في ص: "للَّه".
(٣) في ص، م: "جائز".
(٤) في م: "دخول".
(٥) في ر، م: "الدلالة".