للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضُهم: إنما معنى قولِه: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾. إخبارٌ مِن اللَّهِ جَلَّ ثناؤُه عن تكبرِهم وإعراضِهم عن الاستماعِ لِما دُعوا إليه مِن الحقِّ، كما يقالُ: إن فلانًا لأصمُّ عن هذا الكلامِ. إذا امْتَنَع مِن سماعِه، ورفَع نفسَه عن تفهُّمِه تكبرًا.

والحقُّ في ذلك عندي ما صحَّ بنظيرِه الخبرُ عن رسولِ اللَّهِ ﷺ، وهو ما حدَّثنا به محمدُ بنُ بَشارٍ، قال: حدثَّنا صفوانُ بنُ عيسى، قال: حدَّثنا ابنُ عَجْلانَ، عن القَعْقاعِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: "إنَّ المؤْمنَ إذا أذْنَب ذَنْبًا كانت نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ في قلبِه، فإنْ تاب ونزَع واسْتَغفر صُقِل (١) قلبُه، فإنْ زاد زادت حتى تُغْلِقَ (٢) قلبَه، فذلك الرَّانُ الذي قال اللَّهُ جَلَّ ثَناؤُه: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: ١٤].

فأخْبَر ﷺ أن الذنوبَ إذا تَتابعت على القلوبِ أغْلَقَتْها (٣)، وإذا أغْلَقَتْها (٣) أتاها حينَئذٍ الختمُ مِن قِبَلِ اللَّهِ ﷿ والطبعُ، فلا يكونُ للإيمانِ إليها مسلكٌ، ولا للكفرِ منها مَخْلَصٌ، فذلك هو الطبعُ. والختمُ الذي ذكَره اللَّهُ ﵎ في قولِه: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾. نظيرُ الطبعِ والختمِ على ما تُدْرِكُه الأبصارُ مِن الأوعيةِ والظروفِ التي لا يُوصلُ إلى ما فيها إلا بفضِّ ذلك عنها ثم حَلِّها، فكذلك لا يصلُ الإيمانُ إلى قلوبِ مَن وصَف اللَّهُ أنه ختَم على قلوبِهم إلا بعدَ فضِّه خاتَمَه، وحَلِّه رِباطَه عنها.

ويقالُ لقائلي القولِ الثاني، الزاعمِين أن معنى قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى


(١) سقط من: ت ٢، وفي ص، ر: "صقلت".
(٢) في ص: "يغلق"، وفي م: "يغلف".
(٣) في م: "أغلفتها".