للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أمرٌ مِن اللَّهِ عزَّ ذكرُه نبيَّه محمدًا بالعفوِ عن هؤلاء القومِ الذين همُّوا أن يَبْسُطوا أيديَهم إليه مِن اليهودِ، يقولُ اللَّهُ جلَّ وعزَّ له: اعْفُ يا محمدُ عن هؤلاء اليهودِ الذين همُّوا بما همُّوا به مِن بَسْط أيديهم إليك وإلى أصحابِك بالقتلِ، واصْفَحْ لهم عن جُرْمِهم بتركِ التعرُّضِ لمكروهِهم، فإنى أُحِبُّ مَن أَحْسَن العفوَ والصَّفْحَ إلى مَن أساء إليه.

وكان قتادةُ يقولُ: هذه منسوخةٌ. ويقولُ: نسَخَتهَا الآيةُ في "براءةَ": ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ الآية [التوبة: ٢٩].

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أَخْبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾. قال: نسَخَتها: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ (١).

حدَّثني المثنى، قال: ثنا حجاجُ بنُ المنْهالِ، قال: ثنا همامٌ، عن قتادةَ: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾: ولم يُؤْمَرُ يومَئِذٍ بقتالِهم، فأَمَرَه اللَّهُ عز ذكرُه أن يَعْفُوَ عنهم ويَصْفَحَ، ثم نسَخ ذلك في "براءةَ"، فقال: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾. وهم أهلُ الكتابِ. فأمَر اللَّهُ جلَّ ثناؤُه نبيَّه أن يُقاتِلَهم حتى يُسْلِموا أو يُقِرُّوا بالجزيةِ.

حدَّثنا سفيانُ بنُ وَكيعٍ، قال: ثنا عَبْدةُ بنُ سليمانَ (٢)، قال: قرَأتُ على ابن أبي


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٨٥، ومن طريقه النحاس في ناسخه ص ٣٨١، وابن الجوزى في نواسخ القرآن ص ٣٠٨، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٦٨ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) في م: "سليم". وتقدم في ٤/ ٣٥٧، ٣٦٤.