للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان ابن زيدٍ يقولُ في ذلك ما حدَّثني به يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾: عن هؤلاء الذين أَوْصَيْنَاك بهم، ﴿ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا﴾: إذا خشِيتَ إن أعطَيتَهم أن يَتَقوَّوا بها على معاصى اللهِ، ويَسْتَعِينوا بها عليها، فرأيتَ أن تَمْنَعَهم خيرًا، فإذا سألوك ﴿فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا﴾: قولًا جميلًا: رزَقك اللهُ، بارَك اللهُ فيك (١).

وهذا القولُ الذي ذكَرنا عن ابن زيدٍ - مع خِلافِه أقوالَ أهلِ التأويلِ في تأويلِ هذه الآيةِ - بعيدٌ بالمعنى (٢) مما يدُلُّ عليه ظاهرُها؛ وذلك أن الله تعالى قال لنبيِّه : ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا﴾. أمَره أن يقولَ إذا كان إعراضُه عن القومِ الذين ذكَرهم انتظارَ رحمةٍ منه يَرجُوها من ربِّه ﴿قَوْلًا مَيْسُورًا﴾. وذلك الإعراضُ ابتغاءَ الرحمةِ لن يَخْلُوَ من أحدِ أمرين: إما أن يكونَ إعراضًا منه ابتغاءَ رحمةٍ من اللهِ يَرجُوها لنفسِه، فيكونَ معنى الكلامِ كما قلناه، وقاله أهلُ التأويلِ الذين ذكَرنا قولَهم وخلافَ قولِه. أو (٣) يكونَ إعراضًا منه ابتغاءَ رحمةٍ من اللهِ يرجُوها للسائلين الذين أُمِر نبيُّ اللهِ بزعمِه أن يَمنَعَهم ما سألوه خشيةً عليهم من أن يُنْفِقوه في معاصى اللهِ، فمعلومٌ أن سَخَطَ اللَّهِ على مَن كان غيرَ مأمونٍ منه (٤) صَرْفُ ما أُعْطِى من نفقةٍ ليتقوَّى (٥) بها على طاعةِ اللهِ في معاصيه، أخوفُ من رجاءِ رحمتِه له، وذلك أن رحمةَ اللهِ إنما تُرْجَى لأهلِ طاعتِه، لا لأهلِ معاصيه، إلا أن


(١) ذكره الطوسي في تفسيره ٦/ ٤٧٠ مختصرًا، وبآخره عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٧٨ إلى المصنف وابن أبي حاتم.
(٢) في م: "المعنى".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "أن".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "فيه".
(٥) في ص: "لينفقوا"، وفى ت ١: "ليتقووا". وفى ف: "لينفق".