للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحقِّ والكفرِ باللَّهِ، فلا يُجْزَى إلا ما ساءَه مِن الجزاءِ، كما وافَى الله به مِن عمله السيئَ. ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾. يقولُ: ولا يَظْلِمُ الله الفريقين؛ لا فريق الإحسانِ، ولا فريقَ الإساءةِ، بأن يُجازِيَ المحسنَ بالإساءةِ، والمسيءَ بالإحسانِ، ولكنه يُجازِى كلا الفريقين مِن الجزاءِ ما هو له؛ لأنه جلَّ ثناؤُه حكيمٌ، لا يَضَعُ شيئًا إلا في موضعِه الذي يَسْتَحِقُّ أَن يَضَعَه فيه، ولا يُجازِى أحدًا إلا بما يَسْتَحِقُّ من الجزاءِ.

وقد دلَّلْنا فيما مضَى على أن معنى "الظلمِ" وضعُ الشيءِ في غيرِ موضعِه، بشَواهدِه المُغْنيةِ عن إعادتِها في هذا الموضعِ (١).

فإن قال قائلٌ: فإن كان الأمرُ كما ذكَرْتَ مِن أن معنى الحسنةِ في هذا الموضع الإيمانُ باللَّهِ، والإقرارُ بوَحْدانيتِه، والتصديقُ برسولِه، والسيئةِ فيه الشركُ به، والتكذيبُ لرسولِه، أَفَلِلإيمان (٢) أمثالٌ فيُجازَى بها المؤمنُ؟ وإن كان له مِثْلٌ فكيف يُجازَى به، والإيمانُ إنما هو عنَدك قولٌ وعملٌ، والجزاءُ مِن اللهِ لعبادِه عليه الكرامة في الآخرةِ، والإنعامُ عليهم (٣) بما أعَدَّ لأهلِ كرامتِه مِن النعيمِ في دارِ الخلودِ، وذلك أعيانٌ تُرَى وتُعايَنُ وتُحسُّ ويُلْتَذُّ بها، لا قولٌ يُسْمَعُ، ولا كسبُ جوارحَ؟

قيل: إن معنى ذلك غيرُ الذي ذهَبْتَ إليه، وإنما معناه: مَن جاء بالحسنةِ فوافَى الله بها له مطيعًا، فإن له مِن الثوابِ ثوابَ عشرِ حسناتٍ أمثالِها.

فإن قلتَ: فهل لقولِ: لا إلهَ إلا اللهُ. مِن الحسناتِ مِثْلُ؟


(١) تقدم في ١/ ٥٥٩، ٥٦٠.
(٢) في م: "فللإيمان".
(٣) في م: "عليه".