للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَصَرُوا نَبِيَّهُمُ وَشَدُّوا أَزْرَه … بحُنَيْنَ يومَ تَوَاكُلِ الأبْطَالِ

فلم يُجرِ "حُنينًا"؛ لأنه جعلَه اسمًا للبلدةِ لا للوادِى، ولو كان جعَلَه اسمًا للوادِى لأجْراه، كما قرَأتِ القرأةُ ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾ [التوبة: ٢٥]. وكما قال الآخرُ (١).

ألسْنَا أَكْرَمَ الثَّقَلَيْنِ رَحْلًا … وأَعْظَمَهُ (٢) بِبَطْنِ حِراءَ نارَا

فلم يُجرِ "حِراءَ"، وهو جبلٌ؛ لأنه جعَلَه اسمًا للبَلْدَةِ، فكذلك (طُوَى) في قراءةِ مِن لم يُجرِه، يجعَلُه اسمًا للأرضِ.

وقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ ﴿طُوًى﴾ بضمِّ الطاءِ والتنوينِ (٣). وقارِئُو ذلك كذلك مُخْتلِفون في معناه على ما قد ذكَرتُ من اختلافِ أهلِ التأويلِ؛ فأَمَّا من أراد به المصدرَ مِن "طَوَيْتُ"، فلا مَئُونَةَ في تنوينِه؛ وأَمَّا مَن أراد أن يجعَلَه اسمًا للوادِى، فإنه إنما ينوِّنُه لأنَّه اسمُ ذكرٍ لا مؤنثٍ، وأن لامَ الفعلِ منه ياءٌ، فزادَه ذلك خِفَّةً فأَجْراه، كما قال اللهُ ﷿: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾؛ إذ كان "حنينٌ" اسمَ وادٍ، والوادِى مُذكَّرٌ.

وأولى القراءتين عندى بالصوابِ (٤) قراءةُ مَن قرَأ بضمِّ الطاءِ والتنوين؛ لأنَّه إن يكُنِ اسمًا للوادِى فحظُّه التنوينُ؛ لما ذكرتُ لك قبلُ مِن العلةِ لمن قال ذلك، وإن كان مصدرًا أو مُفَسِّرًا، فكذلك أيضًا حكمه التنوينُ، وهو عندى اسمُ الوادِى. وإذا كان


(١) معاني القرآن للفراء ١/ ٤٢٩، ٢/ ١٧٥، ونسبه سيبويه في الكتاب ٣/ ٢٤٥ إلى جرير باختلاف في الرواية، وليس البيت في ديوان جرير.
(٢) في م: "أعظمهم".
(٣) وهى قراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي. ينظر حجة القراءات ص ٤٥١.
(٤) القراءتان كلتاهما صواب.