للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موضعِ نصبٍ رَدًّا على ﴿مَنْ﴾.

وقولُه: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ﴾. يقولُ: كبُر ذلك الجدالُ الذي يُجادِلُونَه في آياتِ اللهِ مقتًا عندَ اللهِ، وعند الذين آمنوا باللهِ، وإنما نُصِبَ قولُه: ﴿مَقْتًا﴾، لِمَا في قولِه: ﴿كَبُرَ﴾. مِن ضميرِ الجِدالِ، وهو نظيرُ قولِه: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ [الكهف: ٥]. فنَصَب ﴿كَلِمَةً﴾ مَنْ نَصَبها؛ لأنه جعَل في قولِه: ﴿كَبُرَتْ﴾ ضميرَ قولِهم: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [الكهف: ٤]. وأما مَن لم يُضْمِرْ ذلك فإنه رفَع الكلمةَ.

وقولُه: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾. يقولُ: كما طبَع اللهُ على قلوبِ المسرفين الذين يُجادِلون في آياتِ اللهِ بغيرِ سلطانٍ أَتَاهم، كذلك يَطْبَعُ اللهُ على كلِّ قلبِ متكبِّرٍ على اللهِ أَن يُوَحِّدَه ويُصَدِّقَ رسلَه، ﴿جَبَّارٍ﴾. يَعْنى: مُتَعَظِّمٍ عن اتِّبَاعِ الحَقِّ.

واخْتَلَفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فَقَرَأَتْه عامةُ قرأةِ الأمصارِ، خلا أبي عمرِو بن العلاءِ (١): ﴿عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ﴾. بإضافةِ "القلبِ" إلى "المتكبرِ"، بمعنى الخبرِ عن أن الله طبَع على قلوبِ المتكبِّرين كلِّها، ومَن كان ذلك قراءتَه، كان قولُه: ﴿جَبَّارٍ﴾ مِن نعتِ ﴿مُتَكَبِّرٍ﴾.

وقد رُوِى عن ابن مسعودٍ أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (كذلكَ يَطْبَعُ اللهُ على قلبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (٢).

حدَّثني بذلك ابن يوسفَ، قال: ثنا القاسمُ، قال: ثني حجاجٌ، عن هارونَ،


(١) قرأ أبو عمرو: (على كلِّ قلبٍ متكبرٍ) بتنوين قلبٍ، واختلف في ذلك عن ابن عامر. النشر ٢/ ٢٧٣.
(٢) مختصر الشواذ ص ١٣٣.