للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موسى بنُ عُبيدَةَ الرَّبَذِيُّ، قال: ثنى صدقةُ بنُ يَسَارٍ، عن ابن عمرَ، أَن رسول الله قال: "أيُّها الناسُ، إن النساء عندكم عَوَانٍ (١)، أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانةِ اللهِ، واسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهِنَّ حقٌّ، ولهنَّ عليكم حقٌّ، ومن حقِّكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فرشكم أحدًا، ولا يَعْصِينَكم في معروف، فإذا فعلن ذلك، فلهنَّ رزقهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروفِ" (٢).

فأخبر أن من حقِّ الزوج على المرأة ألا تُوطِئَ فراشه أحدًا، وألا تعصيه في معروفٍ، وأن الذي يجبُ لها من الرزق والكسوة عليه، إنما هو واجبٌ عليه إذا أدَّت هي إليه ما يجب عليها من الحقِّ، بتركها إيطاءَ فراشه غيره، وتركها معصيته في معروفٍ، ومعلومٌ أن معنى قول النبيِّ : "من حقِّكم عليهنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا". إنما هو: ألّا يُمَكِّنَّ أنفسَهنَّ مِن أحدٍ سواكم. وإذا كان ما روينا في ذلك صحيحًا عن رسول الله ، فبيِّنٌ أن لزوج المرأة إذا أوطأت امرأته نفسها غيره، وأمكنت من جماعها سواه، أن له من منعها الكسوة والرزق بالمعروف، مثل الذي له من منعها ذلك إذا هي عصته في المعروف، وإذا كان ذلك له، فمعلومٌ أنه غيرُ مانعٍ لها - بمنعه إيَّاها ما له منعها - حقًّا لها واجبًا عليه، وإذا كان ذلك كذلك فبيِّنٌ أنها إذا افتدت نفسها عند ذلك من زوجها، فأخذ منها زوجها ما أعطَتْه، أنه لم يَأْخُذْ ذلك عن عضْلٍ مَنْهيٍّ عنه، بل هو أخذ ما أخذ منها عن عَضْلٍ له مُباحٍ، وإذ كان ذلك كذلك، كان بيِّنًا أنه داخلٌ في استثناءِ الله الذي استثناه من العاضلين بقوله: ﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾. وإذ صحَّ ذلك، فبيِّنٌ فسادُ قولِ مَن قال: قولُه: ﴿إِلَّا


(١) عوان: جمع عانية، وهى الأسيرة. أي: أسراء، أو كالأسراء. ينظر النهاية ٣/ ٣١٤.
(٢) أخرجه عبد بن حميد (٨٥٦) من طريق زيد بن الحباب به مطولا.