للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَبِئْسَ الفتَى إن كنتُ أعورَ عاقرًا … جبَانًا فما عُذْرِى لَدَى كُلِّ مَحْضَرِ

وأمَّا "الكِبَرُ" فمصدرُ: كبِر فلانٌ فهو يَكْبَرُ كِبَرًا.

وقيل: ﴿بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾. وقد قال في موضعٍ آخر: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ﴾ [مريم: ٨]؛ لأنّ ما بلغك فقد بلَغتَه، وإنما معناه: قد كَبِرْتُ. وهو كقول القائل: قد بلَغني الجهدُ. بمعنى: إني في جَهْدٍ.

فإن قال قائلٌ: وكيف قال زكريا، وهو نبيُّ الله: ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾. وقد بشَّرَتْه الملائكةُ بما بشَّرَتْه به عن أمرِ اللهِ إيَّاها به؟ أشَكَّ في صدقهم؟ فذلك ما لا يجوز أن يُوصَفَ به أهلُ الإيمان باللهِ، فكيف الأنبياء والمرسلون؟ أم كان ذلك منه استنكارًا لقدرة ربِّه، فذلك أعظمُ في البَلِيَّةِ؟

قيل: كان ذلك منه على غير ما ظننت، بل كان قيلُه ما قال من ذلك كما حدَّثني موسى، قال: ثنا عَمرٌو، قال: ثنا أسباط، عن السُّدِّيِّ: لمَّا سمِع النداءَ - يعني زكريا لمّا سمع نداء الملائكة بالبشارة بيحيَى - جاءه الشيطان فقال له: يا زكريا، إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله، إنما هو من الشيطانِ يَسْخَرُ بك، ولو كان من الله أوحاه إليك كما يُوحى إليك في غيرِه مِن الأمرِ. فشكَّ مكانه وقال: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ ذَكَرٌ؟ يقولُ: مِن أينَ ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ (١)؟

حدَّثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن عِكْرمة، قال: فأتاه الشيطانُ، فأراد أن يُكَدِّر (٢) عليه نعمة ربِّه، فقال: هل تدرى


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٤٤ (٣٤٧٣) من طريق عمرو به.
(٢) في ت ٢، ت ٣: "يكذب".