للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن آياتِه وطبعِه على قلوبِهم، فلا يُفْلِحون ولا يُنجِحون. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾. يقولُ جل ثناؤه: صرَفناهم عن آياتِنا أن يعقِلوها ويفهموها، فيعتبروا بها ويذَّكَّروا فيُنِيبوا، عقوبةً منا لهم على تكذيبِهم بآياتِنا، ﴿وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾. يقولُ: وكانوا عن آياتنا وأدلَّتِنا الشاهدةِ على حقيقةِ ما أمرناهم به ونهيناهم عنه، غافلين لا يتفكَّرون فيها، لاهين عنها لا يعتبِرون بها، فحقَّ عليهم حينئذٍ قولُ ربِّنا، فعَطبوا.

واختلَفت القرَأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿الرُّشْدِ﴾؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ وبعضُ المكيين وبعضُ البصريِّين: ﴿الرُّشْدِ﴾ بضمِّ الراءِ وتسكين الشينِ (١).

وقرَأ ذلك عامة قرأةِ أهلِ الكوفةِ وبعضُ المكيِّين: (الرَّشَدِ) بفتحِ الراءِ والشينِ (٢).

ثم اختلَف أهلُ المعرفةِ بكلامِ العربِ في معنى ذلك إذا ضُمَّت راؤُه وسُكِّنت شينُه، وفيه إذا فُتِحَتَا جميعًا؛ فذُكِرَ عن أبي عمرِو بن العلاءِ أنه كان يقولُ: معناه: إذا ضُمَّت راؤه وسكِّنت شينُه: الصلاحُ، كما قال اللَّهُ: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [النساء: ٦] بمعنى: صلاحًا. وكذلك كان يقرؤُه هو. ومعناه إذا فُتحت راؤُه وشينُه: الرَّشَد في الدينِ، كما قال جلَّ ثناؤه: (تعلَّمَنِ مما عُلَّمتَ رَشَدًا) (٣). بمعنى: الاستقامةِ والصوابِ في الدينِ.

وكان الكسائيُّ يقولُ: هما لغتان بمعنًى واحدٍ، مثلُ: السُّقْمِ والسَّقَمِ، والحُزْنِ والحَزَنِ، وكذلك الرُّشْدُ والرَّشَدُ.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أن يقالَ: إنهما قراءتان مستفيضةٌ القراءةُ


(١) وهى قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وعاصم. السبعة لابن مجاهد ص ٢٩٣.
(٢) وهى قراءة حمزة والكسائى. ينظر المصدر السابق.
(٣) سورة الكهف الآية ٦٦. قرأها بفتح الراء والشين البصريان أبو عمرو ويعقوب. النشر ٢/ ٢٣٤.