للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾: [نحوِ عادٍ وثمودَ ومَن هلَك من الأُممِ (١).

وقال: ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾] (٢). لأن قريشًا كانت تَتَّجِرُ إلى (٣) الشامِ، فتَمُرُّ بمساكنِ عادٍ وثمودَ ومَن أَشْبَههم، فتَرَى آثارَ وقائعِ اللهِ تعالى بهم، فلذلك قال لهم: أفلم يُحَذِّرُهم ما يَرَوْن من فعلِنا بهم بكفرِهم بنا نزولَ مثلِه بهم، وهم على مثلِ فعلهم مقيمون.

وكان الفَرَّاءُ يقولُ (٤): لا يَجوزُ في ﴿كَمْ﴾ في هذا الموضعِ أن يكونَ إلا نصبًا بـ ﴿أَهْلَكْنَا﴾. وكان يقولُ: وهو وإن لم يكنْ إلا نصبًا، فإن جملة الكلامِ رفعٌ بقولِه: ﴿يَهْدِ لَهُمْ﴾. ويقولُ: ذلك مثلُ قولِ القائلِ: قد تبَيَّن لي أقام عمرٌو أم (٥) زيدٌ؟ في الاستفهامِ، وكقولِه: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣]. ويَزْعُمُ أن فيه شيئًا يَرْفَعُ ﴿سَوَاءٌ﴾ لا يَظْهَرُ مع الاستفهامِ، قال: ولو قلتَ: سواءٌ عليكمَ صمتُكم ودعاؤُكم. تبَيَّن ذلك الرفعُ الذي في الجملةِ.

وليس الذي قال الفرَّاءُ من ذلك كما قال؛ لأن ﴿كَمْ﴾ وإن كانت مِن حروفِ الاستفهامِ، فإنها لم تُجْعَلْ في هذا الموضعِ للاستفهامِ، بل هي واقعةٌ موقعَ (٦) الأسماءِ الموصوفةِ.

ومعنى الكلامِ ما قد ذكَرْنا قبلُ، وهو: أفلم يُبَيِّنْ (٧) لهم كثرةُ إهلاكِنا قبلَهم


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٢٣ إلى ابن أبي حاتم.
(٢) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، ف.
(٣) في الأصل: "في".
(٤) في معاني القرآن ٢/ ١٩٥.
(٥) في الأصل، ص، ت ١، ف: "أو".
(٦) في الأصل: "مواقع".
(٧) في الأصل: "يتبين".