للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: ١، ٢]. والآيةُ الأخرى في "المجادَلةِ": ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [المجادلة: ١٦]. فأخْبر اللَّهُ جلَّ ثناؤُه أن المنافقين - بقِيلِهم ما قالُوا لرسولِ اللَّه ، مع اعتقادِهم فيه ما هم معتقدون - كاذِبون، ثم أخْبرَ تعالى ذكرُه أن العذابَ المُهِينَ لهم على ذلك مِن كَذِبِهم. ولو كان الصحيحُ مِن القراءةِ على ما قَرَأه القارئون في سورةِ "البقرةِ": (وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يُكَذِّبون). لكانتِ القراءةُ في السورةِ الأخرى: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لمُكذِّبون). ليكونَ الوعيدُ لهم [مِن العذابِ المهينِ] (١) الذي هو عَقِيبَ ذلك وعيدًا على التكذيبِ لا على الكَذِبِ.

وفي إجماعِ المسلمين على أن الصوابَ مِن القراءةِ في قولِه: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾. بمعنى الكَذِبِ، وأنَّ إيعادَ اللَّهِ فيه المنافقين العذابَ الأليمَ على ذلك مِن كَذِبِهم - أوضحُ الدَّلالةِ على أن الصحيحَ مِن القراءةِ في سورةِ "البقرةِ": ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾. بمعنى الكَذِبِ، وأن الوعيدَ مِن اللَّهِ تعالَى ذكرُه للمنافقين فيها على الكذبِ حقٌّ، لا على التكذيب الذي لم يَجْرِ له ذكرٌ - نظيرَ الذي في سورةِ "المنافقين" سواءً.

وقد زعَم بعضُ نحويِّي البصرةِ أنَّ "ما" من قولِ اللَّهِ جلّ ثناؤُه: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾. اسمٌ للمصدرِ، كما أنَّ "أَنْ" والفعلَ اسمان للمصدرِ في قولِك (٢): أُحبُّ أن تأتيَني. وأنَّ المعنى إنما هو: بكَذِبِهم وتكذيبِهم. قال: وأَدْخل "كان" ليُخْبِرَ أنه


(١) زيادة من: ر.
(٢) في ر: "قوله"، وفي ت ٢: "مثل قوله".