للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحيحةٌ متفِقٌ مَعْنيَاهما غيرُ مُخْتَلِفَينْ؛ لأن الماضِيَ من الفعلِ مع حروفِ الجزاءِ بمعنى المستقبلِ، فبأيِّ هاتَينْ القراءتَينْ قرَأ ذلك قارئٌ فمصيبٌ.

ومعنى ذلك: فمَن تطوَّع بالحجِّ والعمرةِ بعدَ قضاءِ حَجَّتِه الواجبةِ عليه، فإن اللهَ شاكرٌ له على تطوُّعِه له بما تطوَّع به من ذلك ابتغاءَ وجهِه فمجازِيه به، عليمٌ بما قصَد وأرادَ بتطوُّعِه بما تطوَّع منه (١).

وإنما قلنا: إنَّ الصوابَ في معنى قولِه: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ هو ما وصفْنَا دونَ قولِ مَن زعَم أنه معنيٌّ به: فمَن تطوَّعَ بالسعي والطوافِ بينَ الصفا والمروةِ. لأن الساعيَ بينَهما لا يكونُ متطوعًا بالسعي بينَهما إلَّا في حجِّ تَطوُّعٍ أو عُمرةِ تطوُّعٍ، لمَا وصفْنَا قبلُ. وإذ كان ذلك كذلك كان معلومًا أنه إنما عنَى بالتطوُّعِ بذلك، التطوّعَ بما يُعمَلُ ذلك فيه من حجٍّ أو عمرةٍ.

وأما الذين زعَمُوا أن الطوافَ بهما تطوُّعٌ لا واجبٌ، فإن الصوابَ أن يكونَ تأويلُ ذلك على قولِهم: فمَن تطوَّعَ بالطوافِ بهما فإن اللهَ شاكرٌ. لأنَّ للحاجِّ والمعتمرِ على قولِهم الطوافَ بهما إن شاءَ، وتَرْكَ الطوافِ، فيكونُ معنى الكلامِ على تأويلهم: فمَن تطوَّعَ بالطوافِ بالصفَا والمروةِ، فإنّ اللهَ شاكرٌ تطوعَه ذلك، عليمٌ بما أرادَ ونوَى الطائفُ بهما كذلك.

كما حدثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾. قال: مَن تطوَّعَ خيرًا فهو خيرٌ له، تطوَّع رسولُ اللهِ فكانتْ من السُّنَنِ (٢).


(١) في م: "به".
(٢) تقدم أوله في ص ٧١٠.