للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنى ابنُ عبدِ الرحيمِ البَرْقىُّ، قال: ثنا عمرُو بنُ أبى سلَمةَ، عن سعيدٍ، عن مَكْحولٍ أنه قال فى قولِ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾. قال: هو أن يَحْلِفَ الرجلُ ألا يَصْنَعَ خيرًا، ولا يَصِلَ رحمَه، ولا يُصْلِحَ بينَ الناسِ، نهاهم اللهُ عن ذلك (١).

وأولى التأويلَيْن بالآيةِ تأويلُ مَن قال: معنى ذلك: لا تَجْعَلوا الحلفَ باللهِ حُجَّةً لكم فى تركِ فعلِ الخيرِ فيما بينَكم وبينَ اللهِ وبينَ الناسِ. وذلك أن العُرْضةَ فى كلامِ العربِ القوةُ والشدةُ، يقالُ منه: هذا الأمرُ عُرْضةٌ له (٢). يعنى بذلك: قوةٌ لك على أسبابِك. ويقالُ: فلانةُ عُرْضةٌ للنِّكاحِ. أى: قوةٌ. ومنه قولُ كعبِ بنِ زُهَيْرٍ فى صفةِ نُوقٍ (٣):

مِن كلِّ نَضَّاخةِ (٤) الذِّفْرَى (٥) إذا عَرِقَتْ … عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلامِ مَجْهولُ

يعنى بـ "عرضتُها": قوَّتُها وشدَّتُها.

فمعنى قولِه تعالى ذكرُه: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ [إذن: لا تَجْعَلوا اللهَ قوةً لأيمانِكم] (٦) فى ألا تَبَرُّوا ولا تَتَّقُوا ولا تُصْلِحوا بينَ الناسِ، ولكن إذا حلَف أحدُكم فرأَى الذى هو خيرٌ مما حلَف عليه؛ مِن تَرْكِ البرِّ والإصْلاحِ بينَ


(١) ذكره ابن أبى حاتم فى تفسيره ٢/ ٤٠٧ عقب الأثر (٢١٤٥) معلقًا.
(٢) كذا فى النسخ، ولعل الصواب: "لك".
(٣) شرح ديوانه ص ٩.
(٤) نضاخة، من نضخ الماء: اشتد فورانه من ينبوعه، ونضاخة يعنى: شديدة النضخ. القاموس المحيط (ن ض خ).
(٥) الذفرى، بالكسر من جميع الحيوان: العظم الشاخص خلف الأذن. التاج (ذ ف ر).
(٦) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.