للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجاهدٍ مثلَه.

وأصلُ الحَوْلِ من قولِ القائلِ: حال هذا الشيءُ. إذا انتقَل. ومنه قيل: تَحَوَّلَ فلانٌ من مكانِ كذا. إذا انتقَل عنه.

فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى ذكرِ ﴿كَامِلَيْنِ﴾ في قولِه: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ بعدَ قولِه: ﴿يُرْضِعْنَ﴾ ﴿حَوْلَيْنِ﴾. وفي ذكرِه الحَوْلَيْن مُسْتَغْنًى عن ذكرِ الكاملَيْن، إذ كان غيرَ مُشْكِلٍ على سامعٍ سَمِع قوله: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ﴾ ما يرادُ به، فما الوجهُ الذي مِن أجلِه زِيدَ ذكرُ ﴿كَامِلَيْنِ﴾؟

قيل: إن العربَ قد تقولُ: أقام فلانٌ بمكانِ كذا حَوْلَيْن، أو يومَيْن، أو شهرَيْن. وإنما أقام به يومًا وبعضَ آخَرَ، أو شهرًا وبعضَ آخَرَ، أو حَوْلًا وبعضَ آخَرَ، فقيل: ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ ليَعْرِفَ سامِعو (١) ذلك أن الذي أُريدَ به حَوْلان تامّان، لا حَولٌ وبعضُ آخَرَ، وذلك كما قال اللَّهُ تعالى ذكرُه: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾. ومعلومٌ أن المُتَعَجِّلَ إنما يَتَعَجَّلُ في يومٍ ونصفٍ، فكذلك ذلك في اليومِ الثالثِ من أيامِ التشريقِ، وأنه ليس منه شيءٌ تامٌّ، ولكنَّ العربَ تَفعَلُ ذلك في الأوقاتِ خاصةً، فتقولُ: اليومُ يومان منذُ لم أرَه. وإنما تَعنِي (٢) بذلك يومًا وبعضَ آخَرَ، وقد تُوقِعُ الفعلَ الذي تفعلُه (٣) في الساعةِ أو اللحظةِ على العامِ والزمانِ واليومِ، فتقولُ: زُرْتُه عامَ كذا، وقتَل فلانٌ فلانًا زمانَ (٤) صِفِّينَ. وإنما تفعلُ ذأك لأنها لا تَقْصِدُ بذلك


(١) في م: "سامع".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يعني".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يفعله".
(٤) في ص، ت ١: "أزمان".