للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى جلّ ثناؤه بقولِه: ﴿وَضُرِبَتْ﴾. أى: فُرِضَت ووُضِعَت عليهم الذِّلةُ وأُلْزِمُوها، مِن قولِ القائلِ: ضرَب الإمامُ الجِزْيةَ على أهلِ الذِّمةِ، وضرَب الرجلُ على عبدِه الخَراجَ. يعنى بذلك [أنَّه فرَضه ووظَّفه وألزمه] (١) إيَّاه، وهو من قولِهم: ضرَب الأميرُ على الجيشِ البَعْثَ. يُرادُ به: ألْزَمَهموه.

وأما "الذِّلةُ" فإنَّها الفِعْلةُ، مِن قولِ القائلِ: ذلَّ فلانٌ يَذِلُّ ذُلًّا وذِلَّةً. كالصِّفْوةِ (٢)، مِن: صفا (٣) هذا الأمرُ. والقِعْدةِ، مِن: قعَد.

و"الذِّلةُ" هى الصَّغارُ الذى أمَر اللهُ عبادَه المؤمنين ألا يُعْطُوهم أمانًا -على القَرارِ على ما هم عليه مِن كفرِهم به وبرسلِه (٤) - إلا أن يَبْذُلوا الجزيةَ عليه لهم، فقال تبارك اسمُه: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩].

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ (٥)، عن الحسنِ وقتادةَ في قولِه: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾. قالا: يُعْطُون الجِزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون (٦).

وأما "المَسْكَنةُ" فإنّها مصدرُ المِسْكينِ، يقالُ: ما فيهم أسْكَنُ مِن فلانٍ. و: ما كان مِسْكينًا. و: لقد تَمَسْكن تمَسْكُنًا (٧). ومِن العربِ مَن يقولُ: تسكَّن (٨)


(١) في م: "وضعه فألزمه".
(٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "كالصغرة".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "صغر".
(٤) في م: "برسوله".
(٥) في الأصل: "عمار".
(٦) تفسير عبد الرزاق ١/ ٤٧. وأخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره ١/ ١٢٥ (٦٢٣) عن الحسن بن يحيى به.
(٧) في م: "مسكنة".
(٨) في م: "تمسكن".