للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آلهتَهم وأوثانَهم تُرْشِدُ ضالًا أو تَهْدِى حائرًا. وذلك أنهم إن ادَّعَوا ذلك لها، أكْذَبَتْهم المشاهدة، وأبانَ عَجْزَها عن ذلك الاختبارُ بالمعاينة. فإذا قالوا: لا. وأَقَرُّوا بذلك، فقل لهم: فاللَّهُ يَهْدِى الضال عن الهُدَى إلى الحقِّ، ﴿أَفَمَن يَهْدِي﴾، أَيُّها القومُ ضالًّا ﴿إلَى الْحَقِّ﴾، وحائرًا (١) عن الرشدِ إلى الرشد، ﴿أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ﴾ إلى ما يَدعو إليه، ﴿أَمَّن لَّا يَهْدِى إِلَّا أَن يُهْدَى﴾؟!

واختَلَفَتِ القرأةُ في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرأة أهل المدينة: (أم مَن لا يَهْدي)، بتَسْكين الهاءِ وتشديدِ الدَّالِ (٢)؛ فجَمَعوا بينَ ساكِنين، وكأن الذى دَعاهم إلى ذلك أنهم وجَّهوا أصلَ الكلمةِ إلى أنه: أم مَن لا يَهْتَدِى (٣)، وَوَجَدوه في خطِّ المصحف بغيرِ ما قَرءوا (٤)، وأن التاءَ حُذِفَت لمَّا أُدغمت في الدال، فأقرُّوا الهاءَ ساكنةً على أصلِها الذى كانت عليه، وشَدَّدوا الدال طلبًا لإدغام التاء فيها، فاجْتَمَع بذلك سكون الهاء والدال، كذلك فَعَلوا في قوله: ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ﴾ [النساء: ١٥٤]، وفى قوله: ﴿يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩].

وقَرَأ ذلك بعضُ قرأة أهل مكةَ والشامِ والبصرة: (يَهدِّى)، بفتح الهاء وتشديد الدال (٥)، وأمُّوا ما أمَّه المَدَنِيُّون من الكلمة، غير أنهم نَقَلوا حركة التاءِ مِن يَهْتَدِى، إلى الهاء الساكنةِ، فحَرَّكوا بحركتها، وأدْغَموا التاء في الدال فشَدَّدوها.


(١) في م: "جائرا".
(٢) هي قراءة أبي جعفر، وينظر النشر ٢/ ٢١٢.
(٣) في ت ٢، س، ف: "يهدى".
(٤) في م: "قرروا".
(٥) هى قراءة نافع في رواية ورش، وابن كثير وابن عامر. المصدر السابق.