للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأ ذلك بعضُ قرأة الكوفةِ: ﴿يَهدِّى﴾، بفتح الياء وكسرِ الهاءِ وتشديدِ الدالِ (١)، بنحوِ ما قَصَدَه قرأةُ أهل المدينةِ، غير أنه كَسَرَ الهاءَ لكسرة الدالِ مِن يَهْتَدى، استثقالا للفتحة بعدها كسرةً في حرفٍ واحدٍ.

وقَرَأ ذلك بعضُ عامة قرأة الكوفيين: (أمْ مَن لا يَهْدِى)، بتسكينِ الهاءِ وتخفيفِ الدالِ (٢)، وقالوا: إن العربَ تقولُ: هَدِيتُ. بمعنى: اهْتَدَيتُ. قالوا: فمعنى قولِه: (أم مَنْ لا يَهْدِى): أم مَن لا يَهْتَدِى إِلَّا أَنْ يُهْدَى.

وأَوْلى القراءاتِ في ذلك بالصوابِ (٣) قراءةُ مَن قرأَ: (أَمْ مَنْ لا يَهَدِّى)، بفتح الهاء (٤) وتشديد الدالِ، لما وَصَفْنا مِن العِلَّة لقارئ ذلك كذلك، وأن ذلك لا يدفَعُ صحتَه ذو علم بكلام العربِ، وفيهم (٥) المنكرُ غيرَه. وأحقُّ الكلام أن يقرأ بأفصحِ اللغات التي نَزَلَ بها كلامُ اللَّهِ.

فتأويل الكلام إذن: أفمَن يَهْدِى إلى الحقِّ أحقُّ أن يُتَّبَعَ، أم مَن لا يَهْتَدِى إلى شيءٍ إلا أن يُهْدَى؟!

وكان بعضُ أهل التأويلِ يَزْعُمُ أن معنى ذلك: أم مَن لا يقدِرُ أن ينتقِلَ عن مكانه إلا أن يُنْقَلَ.

وكان مجاهدٌ يقول في تأويلِ ذلك ما حدَّثني المثنَّى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: (أَفَمَنْ يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أمْ مَنْ لا يَهَدِّى إلَّا أنْ يُهْدَى)، قال: الأوثانُ، اللَّهُ يَهْدى منها ومن غيرها من شاء لما


(١) هي قراءة عاصم في رواية حفص، ويعقوب. النشر ٢/ ٢١٢.
(٢) هي قراءة حمزة والكسائى وخلف. المصدر السابق.
(٣) القراءات التى ذكرها المصنف كلها متواترة.
(٤) في ص، ت ١، س، ف: "الياء".
(٥) في ت ٢: "فهم".