للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدينةِ والبصرةِ وبعضُ أهلِ الكوفةِ على وجهِ الخبرِ: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾.

وكذلك قولُه: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ (١). ووجَّه هؤلاء تأويلَ الكلامِ إلى أنَّ الله قال لهؤلاء الأشقياءِ من أهلِ النارِ، وهم في النارِ: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾.

وأنهم أجابُوا الله فقالوا: ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾. فنسِىَ الأشقياءُ لعظيمِ ما هم فيه من البلاءِ والعذابِ، مدةَ مُكثِهم (٢) كانت في الدنيا، وقَصُر عندهم أمدُ مُكثِهم (٣) كان فيها؛ لما حلَّ بهم من نقمةِ اللهِ، حتى حسِبوا أنهم لم يكونوا مكثُوا (٤) فيها إلا يومًا أو بعضَ يومٍ. ولعلَّ بعضَهم كان قد مَكَث فيها الزمانَ الطويلَ والسنين الكثيرةَ.

وقرأ ذلك عامةُ قرأةٍ أهلِ الكوفةِ، على وجهِ الأمرِ لهم بالقولِ (٥)، كأنه قال لهم: قولوا (٦): كم لبثتُم في الأرضِ؟ وأَخرَج الكلامَ مُخْرج الأمرِ للواحدِ، والمعنيُّ به الجماعةُ؛ إذ كان مفهومًا معناه. وإنما اختار هذه القراءةَ من اختارها من أهلِ الكوفةِ؛ لأن ذلك في مصاحفِهم: "قُل" بغيرِ ألفٍ (٧) [وفى غيرِ] (٨) مصاحفِهم بالألفِ.

وأولى القراءتين في ذلك بالصوابِ قراءةُ من قرأه: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾. على وجه الخبرِ؛ لأن وجةَ الكلامِ، لو كان ذلك أمرًا، أن يكونَ "قُولوا" على وجهِ الخطابِ للجمعِ؛ لأن الخطابَ فيما قبلَ ذلك وبعدَه جرى لجماعةِ أهلِ النارِ،


= سيذكر المصنف، وكما سيأتي في ص ١٣٢.
(١) هي قراءة نافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر، وقرأ ابن كثير في الموضع: (قل)، وفي الثاني: (قال). حجة القراءات ص ٤٩٣.
(٢) بعده في م: "التي".
(٣) بعده في م: "الذي".
(٤) في ت ٢: "لبثوا".
(٥) هي قراءة حمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٦) بعده في ت ٢: "لهم".
(٧) ينظر المصاحف لابن أبي داود ص ٤٩.
(٨) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "وهو في".