للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأُصلِّي وأُسلِّمُ على رسول الله محمد، البشير النذير، والسراج المنير، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وجعله خاتم النبيين، وأيَّده بالذكر الحكيم، فدحض به حجج المبطلين، وتشكيك المنافقين، فحمل للحق لواءً ما أرفعه، وأزهق باطلًا طال مرتعه، وبيَّن للأمة القرآن بيانا ما أنصعه، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (١). ثم عهد بأمانة التبليغ من بعده إلى أصحابه فقال: "نضَّر الله امرأً سَمِع مِنَّا حديثًا فحفظه حتى يبلِّغه، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حاملِ فقه ليس بفقيه" (٢). فأدَّوها إلى تابعيهم، ولم يزل الأمر على تلك الحال حتى قيَّض الله لها من فحول العلماء من دوَّن سنته؛ إذ هي شرح كتاب الله، وتبيين ما أُجْمل من أحكامه، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (٣). فمن أنكر سنته فقد خاب وخسر، وخلع رِبْقة الإسلام من عنقه، فصلوات الله وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد؛ فإن كتاب "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" (٤) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، هو أجل كتب التفسير قاطبة وإمامها، ليس لأوليته الزمنية فحسب؛ بل لأنه فريد في بابه، لم يسبق ابن جرير أحد إلى مثله، وعلى ذلك أجمع العلماء سلفًا وخلفًا، وما من مفسِّر إلا وقد اغترف من تفسير الطبري، فكان ابن جرير - بحق - إمام المفسرين وقدوة المتأولين. إذْ جمع في تفسيره بين الرواية والدراية، فمع عنايته الفائقة بالتفسير النقلي عن الصحابة والتابعين بدرجة يستقصى


(١) سورة النحل: الآية ٤٤.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٦٠)، والترمذي (٢٦٥٦)، والنسائي في الكبرى (٥٨٤٧)، وابن ماجه (٤١٠٥)، وأحمد (٢١٦٣٠)، والدارمي (٢٣٥)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (١٨٤، ١٨٥).
(٣) سورة الحشر: الآية (٧).
(٤) ورد عنوانه في بعض نسخ مخطوط الأصل "جامع البيان عن تأويل آي الفرقان"، وهي الأجزاء ٢، ٣، ٨، ٣٦، ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>