للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلنا: هذا القولُ أولى بالصوابِ مِن قولِ مَن قال: عَنَى بذلك: وأُحْضِرَتْ أَنْفُسُ الرجالِ والنساءِ الشُّحَّ. على ما قاله ابن زيدٍ؛ لأن مُصالَحةَ الرجلِ امرأتَه بإعطائِه إياها مِن مالِه جُعْلًا، على أن تَصْفَحَ له عن القَسْمِ لها، غيرُ جائزةٍ؛ وذلك أنه غيرُ مُعتاضٍ عِوَضًا مِن جُعْلِه الذي بَذَلَه لها. والجُعْلُ لا يَصِحُّ إلا على عوضٍ؛ إما عَلَى (١) عَيْنٍ، وإما عَلَى (٢) مَنْفَعَةٍ. والرجلُ متى جعَل للمرأةِ جُعْلًا على أن تَصْفَحَ له عن يومِها وليلتِها، فلم يَمْلِكْ عليها عينًا ولا منفعةً. وإذا كان ذلك كذلك، كان ذلك مِن معاني أكلِ المالِ بالباطلِ. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنه لا وجهَ لقولِ مِن قال: عَنَى بذلك الرجلَ والمرأةَ.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن ذلك إذ كان حقًّا للمرأةِ، ولها المطالبةُ به (٣)، فللرجلِ افتداؤُه منها بجُعْلٍ، فإن شُفْعَةَ المُسْتَشْفِعِ في حِصَّةٍ مِن دارٍ اشتراها رجلٌ مِن شريكٍ له فيها حَقُّ (٤) المُطالَبَةِ بها، فقد يَجِبُ أن يكونَ للمطلوبِ افتداءُ ذلك منه بجُعْلٍ. وفى إجماعِ الجميعِ على أن الصُّلْحَ في ذلك على عوضٍ غيرُ جائرٍ؛ إذ كان غيرَ مُعْتاضٍ منه المطلوبُ بالشُّفْعَةِ (٥) عينًا ولا نفعًا، ما يَدُلُّ على بُطُولِ صُلْحِ الرجلِ امرأتَه على عِوَضٍ، على أن تَصْفَحَ عن مُطالَبَتِها إياه بالقِسْمَةِ لها.

وإذا فسَد ذلك، صحَّ أن تأويلَ الآيةِ ما قلنا. وقد أبان الخبرُ الذي ذَكَرْناه عن سعيدِ بن المُسَيِّبِ وسليمانَ بن يَسارٍ أن قولَه: ﴿وَإِنِ امْرَأَة خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ


= وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٣٣ إلى ابن المنذر. وينظر فتح البارى ٨/ ٢٦٥.
(١) سقط من: م.
(٢) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٣) في الأصل: "له"، وفى: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "بها".
(٤) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "له".
(٥) في م: "في الشفعة".