للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واخْتَلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ الكوفيين: ﴿وَأَنَّ﴾ يفتحِ الألفِ مِن ﴿أَنَّ﴾ وتشديدِ النونِ (١)، ردًّا على قولِه: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾. بمعنى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ - ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: (وإنَّ). بكسرِ الألفِ مِن "إِنَّ" وتشديدِ النونِ منها (٢)، على الابتداءِ، وانْقِطاعِها عن الأولِ، إذ كان الكلامُ قد انْتَهَى بالخبرِ عن الوصيةِ التي أوْصَى اللهُ بها عبادَه دونَه، عندَهم (٣).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أنهما قراءتان مُسْتَفِيضتان في قرأةِ الأمصارِ وعوامِّ المسلمين، صحيحٌ معنياهما، فبأيِّ القراءتين قرَأ القارئٌ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءتِه. وذلك أن الله تعالى ذكرُه قد أمَر (٤) باتِّباعِ سبيلِه، كما أمَر عبادَه الأشْياءَ (٥)؛ وإن أدْخَل ذلك مُدْخِلٌ فيما أمَر اللهُ نبيِّه أن يقولَ للمشركين: تعالَوْا أتْلُ ما حرَّم ربُّكم عليكم وما أمَرَكم به. ففتَح على ذلك ﴿أَنَّ﴾ فمصيبٌ. وإن كسَرها، إذ كانت التلاوةُ قولًا، وإن كان بغيرِ لفظِ القولِ؛ لبعدِها مِن قوِله: ﴿أَتْلُ﴾. وهو يُرِيدُ إعمالَ ذلك فيه، فمصيبٌ. وإن كسَرها بمعنى ابتداءٍ وانقطاعٍ عن الأولِ والتلاوةِ، وأن ما أُمِر النبيُّ بتلاوتِه على من أُمِر بتلاوةِ ذلك عليهم قد


(١) وهى قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وأبي عمرو. السبعة لابن مجاهد ص ٢٧٣.
(٢) وهى قراءة حمزة والكسائي. ينظر المصدر السابق.
(٣) دونه عندهم: أي: دون النبي عند من قرأ بكسر الألف من "وإن"، وسيأتي مصرّحًا به في كلام المصنف بعدُ.
(٤) في ف: "أمرنا".
(٥) في م: "بالأشياء".