للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُجْرِمِينَ﴾ (١) برفعِ "السبيلِ" على أن القصدَ للسبيلِ، ولكنه يُؤَنِّثُها، وكأن معنى الكلامِ عندَهم: وكذلك نُفَصِّلُ الآياتِ ولِتَتَّضِحَ لك وللمؤمنين طريقُ المجرمين.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ: (وليَسْتَبِينَ) بالياءِ (سبيلُ المجْرمِين) (٢) برفعِ "السبيلِ"، على أن الفعلَ للسبيلِ، ولكنهم يُذكِّرونه، ومعنى هؤلاء في هذا الكلام، ومعنى مَن قرَأ ذلك بالتاءِ في: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾، ورفَع السبيلَ، واحدٌ، وإنما الاختلافُ بينَهم في تذكيرِ السبيلِ وتأنيثها.

وأولى القراءتين بالصوابِ عندي في "السبيل" الرفعُ؛ لأن اللهَ تعالى ذكرُه فصَّل آياته في كتابِه وتنزيلِه ليَتَبَيَّنَ الحقَّ بها مِن الباطلِ جميعُ مَن خُوطِب بها، لا بعضٌ دونَ بعضٍ.

ومن قرَأ "السبيلَ" بالنصبِ، فإنما جعَل تَبْيينَ ذلك محْصورًا على النبيِّ .

وأما القراءةُ في قولِه: ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ فسواءٌ قُرِئَت بالتاءِ أو بالياءِ؛ لأن مِن العربِ مَن يُذَكِّرُ "السبيلَ"، وهي تَميمٌ وأهلُ نجدٍ، ومنهم مَن يُؤَنَّثُ "السبيلَ"، وهم أهلُ الحجازِ، وهما قراءتان مُسْتَفِيضتان في قرأةِ الأمصارِ، ولغتان مشهورتان مِن لغاتِ العربِ، وليس في قراءةِ ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءتِه بالأُخرى، ولا وجهَ لاختيارِ إحداهما على الأُخرى بعد أن يُرْفَعَ "السبيلُ"؛ للعلةِ التي ذكَرْنا.

وبنحوِ الذي قلنا في تأويلِ قولِه: ﴿نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾. قال أهلُ التأويلِ.

حدَّثني المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخْبَرَنا معمرٌ، عن قتادةَ: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾: تُبَيِّنُ الآياتِ (٣).


(١) وهي قراءة ابن كثير، وحفص عن عاصم، وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب. ينظر النشر ٢/ ١٩٤.
(٢) وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم، وخلف. النشر ٢/ ١٩٤.
(٣) تفسير عبد الرزاق ١/ ٢١٧.