كتاب تفسير الطبري جامع البيان - ت التركي

القول في تفسير السورة التي يذكر فيها البقرة - القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى﴾. - ج: 1 - ص: 328

وقال آخرُ في مثلِ (١) ذلك (٢):

إن الشَّرَاةَ رُوقةُ (٣) الأَموالِ

وحَزْرَةُ (٤) القَلْبِ خِيارُ المَالِ

قال أبو جعفرٍ: وهذا وإن كان وجهًا من التأويلِ، فلستُ له بمختارٍ؛ لأنَّ اللهَ جَلَّ ثناؤُه قال: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾. فدلَّ بذلك على أن معنَى قولِه:

﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ معنَى الشراءِ الذي يتعارفُه الناسُ، من استبدالِ شيْءٍ مكانَ شيْءٍ، وأخذِ عِوَضٍ على عوضٍ.

وأما الذين قالوا: إن القومَ كانوا مؤمنين فكفَروا. فإنه لا مؤنةَ عليهم لو كان الأمرُ على ما وصَفوا به القومَ؛ لأن الأمرَ إذا كان كذلك، فقد ترَكوا الإيمانَ، واسْتَبدلوا به الكفرَ عوضًا من الهدى، وذلك هو المعنى المفهومُ من معاني الشِّراءِ والبيعِ، ولكنّ دلائلَ (٥) أولِ الآياتِ في نعوتِهم إلى آخرِها دالَّةٌ على أن القومَ لم يكونوا قطُّ استَضاءوا بنورِ الإيمانِ، ولا دخَلوا في ملَّةِ الإسلامِ، أوَ ما تسمَعُ اللهَ جلَّ ثناؤُه من لَدُنِ ابْتَدأ في نعتِهم إلى أن أتى على صفتِهم، إنما وصَفهم بإظهارِ الكذبِ بألسنتِهم بدَعْوَاهم التصديقَ بنبيِّنا محمدٍ ﷺ، وبما جاء به، خِداعًا للهِ ولرسولِه وللمؤمنين عندَ أنفسِهم، واستهزاءً في أنفسِهم بالمؤمنين، وهم لغيرِ ما كانوا يُظهِرون مُسْتبطنون، يقولُ (٦) اللهُ ﷻ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ

---

(١) في ر: "معنى".
(٢) البيت الأول في أساس البلاغة ص ١٧٠، والبيت الثاني في الصحاح، واللسان، والتاج (ح ز ر).
(٣) الروقة: الجميل جدًّا من الناس. اللسان (ر و ق).
(٤) حزرة القلب: نقاوته. ويقال: هذا حزْرة نفسي: أي خير ما عندي. التاج (ح ز ر).
(٥) في ر، ت ٢: "دلالة".
(٦) في م: "لقول".