للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أمرٌ مِن اللهِ نبيَّه محمدًا بإبلاغِ بشارته خلقَه الذين آمنوا به وبمحمدٍ وبما جاء به مِن عندِ ربِّه، وصدَّقوا إيمانَهم ذلك وإقرارَهم بأعمالِهم الصالحةِ، فقال له: يا محمدُ، بشِّرْ مَن صدَّقك أنك رسولي، وأَنَّ ما جئتَ به مِن الهدى والنورِ فمن عندي، وحقَّق تصديقَه ذلك قولًا بأداءِ الصالحِ مِن الأعمالِ التي افترضْتُها عليه، وأوجبتُها في كتابي على لسانِك عليه - أن له جناتٍ تَجرى مِن تحتِها الأنهارُ، خاصَّةً، دونَ مَن كذَّب بك (١)، وأنكَر ما جئتَه به مِن الهُدَى مِن عندي، وعانَدك، ودونَ مَن أَظْهَر تصديقَك وأقرَّ بأن ما جئتَه به فمِن عندي، قولًا، وجحَده اعتقادًا ولم يحقِّقْه عملًا، فإن لأولئك النارَ التي وَقودُها الناسُ والحجارةُ مُعَدّةً عندي.

والجناتُ جِماعُ جَنَّةٍ، والجنةُ البُستان.

وإنما عَنَى جلَّ ذكرُه بذكرِ الجَنَّةِ ما في الجَنَّةِ مِن أشجارِها وثمارِها وغروسِها دونَ أرضِها، فلذلك قال: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾؛ لأنه معلومٌ أنه إنما أراد جلَّ ثناؤُه الخبرَ عن ماءِ أنهارِها أنه جارٍ تحتَ أشجارِها وغروسِها وثمارِها، لا أنه جارٍ تحتَ أرضِها؛ لأنَّ الماءَ إذا كان جاريًا تحتَ الأرضِ، فلا حظَّ فيها لعيونِ مَن فوقَها إلَّا بكشفِ الساترِ بينَه وبينَها. على أنَّ الذي تُوصَفُ به أنهارُ الجَنَّةِ أنَّها جاريةٌ في غيرِ أخاديدَ.

كما حَدَّثَنَا أبو كُريبٍ، قال: حَدَّثَنَا الأشجعيُّ، عن سفيانَ، عن عمرِو بنِ مُرَّةَ، عن أبي عُبيدةَ، عن مسروقٍ، قال: نخلُ الجَنَّةِ نَضيدٌ مِن أصلِها إلى فرعِها، وثمرُها أمثالُ القِلالِ، كلَّما نُزِعتْ ثمرةٌ عادت مكانَها أُخرَى، وماؤُها يَجري في غيرِ أخدودٍ (٢).


(١) في الأصل: "به".
(٢) أخرجه البيهقي في البعث والنشور (٣٢٠) من طريق الثوري به. وأخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجَنَّة =