للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَالَمِينَ (١٣١)﴾.

يعنى تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾: إذ قال لإبراهيمَ (١) ربُّه: أَخْلِصْ لىَ العبادةَ، واخْضَعْ لى بالطاعةِ.

وقد دلَّلنا فيما مضَى على معنى "الإسلامِ" في كلامِ العربِ، فأغْنى ذلك عن إعادتِه (٢).

وأمَّا معنى قولِه: ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ فإنه يعنى تعالى ذكرُه: قال إبراهيمُ مُجيبًا لربِّه: خضَعتُ بالطاعةِ، وأخلَصتُ العبادةَ لمالكِ جميعِ الخلائقِ ومُدَبِّرِها دونَ غيرِه.

فإن قال قائلٌ: قد علِمتَ أنَّ "إذ" وقْتٌ، فما الذى وُقِّتَ به، وما الذى جلبَه (٣)؟. قيل: هو صلةٌ لقولِه: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾. وتأويلُ الكلام [: ولقد اصْطَفَيناه في الدنيا حين قال ربُّه: أسلمْ. قال: أسْلَمْتُ لرب العالمين. وإنَّما معْنى الكلامِ] (٤): ولقد اصْطَفَيناه في الدنيا حين قلنا له: أسْلِمْ. قال: أسلمتُ لربِّ العالمين. فأظْهَر اسمَ اللهِ تعالى ذكرُه في قولِه: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ على وجهِ الخبرِ عن غائبٍ، وقد جرَى ذكرُه قبلُ على وجهِ الخبرِ عن نفسِه، كما قال خُفَافُ ابنُ نُدْبَةَ (٥):

أقْولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنَهُ … تَأَمَّلْ خُفَافًا إنَّنِى أنا ذَالِكا

فإن قال لنا قائلٌ: وهل دعا اللهُ جل ثناؤه إبراهيمَ إلى الإسلامِ. قيل له (٦):


(١) في م: "له".
(٢) ينظر ما تقدم في ص ٤٣١، ٤٣٢.
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "صلته".
(٤) سقط من: م.
(٥) تقدم تخريجه في ١/ ٢٣٠.
(٦) زيادة من: م.