للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾: افْتَخَر ثابتُ بنُ قيسِ بن شَمَّاسٍ ورجلٌ مِن يهودَ، فقال اليهوديُّ: واللهِ لقد (١) كتب اللهُ علينا أن اقْتُلُوا أنفسَكم، فقتَلْنا (٢) أنفسَنا، فقال ثابتٌ: واللهِ لو كتَب اللهُ علينا أنِ اقتُلُوا أنفسَكم لقتَلْنا أنفسَنا. فأنزَل اللهُ في هذا: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ (٣).

حدَّثني المثنَّى: قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا أبو زهيرٍ، عن إسماعيلَ، عن أبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ، قال: لما نزَلت: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾. قال رجلٌ: لو أمِرنا لفعَلنا، والحمدُ للهِ الذي عَافانا. فبلغ ذلك النبيَّ ، فقال: "إن من أمتى لرجالًا، الإيمانُ أثْبَتُ في قلوبهم مِن الجبالِ الرُّواسي" (٤).

واختلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ الرفعِ في قولِه: ﴿إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾؛ فكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يَزْعُم أنه رُفِع ﴿قَلِيلٌ﴾؛ لأنه جعِل بدلًا من الأسماءِ المضمرةِ في قولِه: ﴿مَا فَعَلُوهُ﴾؛ لأن الفعلَ لهم.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: إنما رُفِع على نيةِ التكريرِ، كأنَّ معناه: ما فعَلوه، ما فعَله إلا قليلٌ منهم. كما قال عمرُو بنُ معدِيكَرِبَ (٥):

وكلُّ أخٍ مفارقُه أخوه … لعمْرُ أبيك إلا الفَرْقَدانِ (٦)


(١) في الأصل: "لو".
(٢) في الأصل: "لقتلنا".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٩٦ (٥٥٦٨) من طريق أحمد بن مفضل.
(٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٨١ إلى المصنف.
(٥) ديوانه ص ١٨١. ونسبه الآمدى إلى حضرمى بن عامر. ينظر المؤتلف والمختلف ص ١١٦.
(٦) الفرقدان: نجمان في السماء لا يغربان، ولكنهما يطوفان بالجدى، وقيل: هما كوكبان قريبان من القطب، وقيل: هما كوكبان في بنات نعش الصغرى. التاج (ف ر ق د).