للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأويلُ الكلامِ: وما كنتَ يا محمدُ عندَ القومِ إذ قالت الملائكةُ لمريمَ: يا مريمُ إن الله يُبَشِّرُكِ ببُشْرَى مِن عندِه، هي ولدٌ لكِ اسمُه المسيحُ عيسى ابن مريمَ.

وقد قال قومٌ - وهو قولُ قتادةَ -: إن الكلمةَ التي قال الله ﷿: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾. هو قوله: "كُنْ".

حدَّثنا بذلك الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أَخبَرَنا مَعْمَرٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ قال: قولُه: "كنْ" (١).

فسمَّاه اللهُ ﷿ كلمتَه لأنه كان عن كلمتِه، كما يقالُ لِما قدَّر اللهُ مِن شيءٍ: هذا قدرُ اللهِ وقضاؤُه. يعني به: هذا عن قدرِ اللهِ وقضائه حدَث. وكما قال جلّ ثناؤُه: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [النساء: ٤٧، والأحزاب: ٣٧] يعنى به: ما أمَر اللهُ به، وهو المأمورُ الذي كان عن أمرِ الله ﷿.

وقال آخرون: بل هي اسمٌ لعيسى، سمَّاه الله بها كما سمَّى سائرَ خلقِه بما شاء مِن الأسماءِ.

ورُوى عن ابن عباسٍ أنه قال: الكلمةُ هي عيسى.

حدَّثنا ابن وَكِيعٍ، قال: ثنا أبي، عن إسرائيلَ، عن سِمَاكٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عباسٍ في قولِه ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾.

قال: عيسى هو الكلمةُ مِن اللهِ (٢).

وأقربُ الوجوه إلى الصواب عندى القولُ الأوّلُ، وهو أن الملائكةَ بشَّرت مريمَ بعيسى عن الله ﷿ برسالته وكلمته التي أمرها أن تُلْقِيَها إليها، أن


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٧٧.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٥١ (٣٥١٤) من طريق سماك به نحوه.