للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله خالقٌ منها وَلدًا من غيرِ بَعْل ولا فَحْلٍ؛ ولذلك قال ﷿: ﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ﴾. فذكَّر، ولم يقلْ: اسمُها. فيُؤَنَّثَ، و "الكلمةُ" مونثةٌ؛ لأن الكلمةَ غيرُ مقصودٍ بها قصدُ الاسم الذي هو بمعنى "فلانٍ" وإنما هي بمعنى البِشارةِ، فذُكِّرت كنايتُها كما تُذَكَّرُ كنايةُ "الذُّرِّيَّةِ" و "الدابَّةِ" و "الألقابِ"، على ما قد بيّنَّاه قبلُ فيما مضَى (١).

فتأويل ذلك كما قلنا آنفًا من أن معنى ذلك: إن الله يُبَشِّرُكِ بِبُشْرَى. ثم بيَّن عن البشرى أنها ولدٌ اسمُه المسيحُ.

وقد زعَم بعضُ نحويِّي البصرةِ أنه إنما ذكَّر فقال: ﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ﴾. وقد قال: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾. والكلمةُ عندَه هي عيسى؛ لأنه في المعنى كذلك، كما قال جلّ ثناؤُه: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا﴾ [الزمر: ٥٦] ثم قال: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا﴾ [الزمر: ٥٩] وكما يقالُ: ذو الثُّدَيَّةِ (٢). لأن يدَه كانت قصيرةً قريبةً من ثَديَيْه، فجعلها كأن اسمَها ثَدْيَةٌ، ولولا ذلك لم تَدْخُلِ الهاءُ في التصغيرِ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفِة نحوَ قولِ مَن ذكَرنا مِن نحويِّى البصرةِ، في أن الهاءَ مِن ذِكرِ "الكلمةِ"، وخالفه في المعنى الذي مِن أجلِه ذُكِّر قولُه: ﴿اسْمُهُ﴾. و"الكلمةُ" متقدمةٌ قبلَه، فزعَم أنه إنما قيل: ﴿اسْمُهُ﴾. وقد قُدِّمت "الكلمةُ"، ولم يقلِ: "اسمُها". لأن مِن شأنِ العربِ أن تَفْعَلَ ذلك فيما كان مِن النُّعوتِ والألقابِ والأسماءِ التي لم تُوضَعْ لتعريفِ المُسَمَّى به؛ كفلانٍ وفلانٍ، وذلك مثلُ الذُّرِّيَّةِ والخليفةِ والدابَّةِ، ولذلك جاز عندَه أن يقالَ: ذريةً طيبةً، وذُرِّيَّةً طيبًا. ولم


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٣٣٢، ٣٣٣، وفى ص ٣٦٣، ٣٦٤ من هذا الجزء.
(٢) في س: "اليدين". وينظر مسند الطيالسي (١٦٠)، وسنن أبى داود السجستاني (٤٧٧٠). قال ابن الأثير في النهاية ١/ ٢٠٨ ويُروى ذو اليُدَيَّة بالياء بدل الثاء، تصغير اليد، وهي مؤنثة.