للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في القديمِ، أو عندَ خلقِه الأشياءَ، مَنْ تصلُحُ عبادتُه، ﴿مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ﴾. يقولُ: إذن لاعتزل كلُّ إلهٍ منهم ﴿بِمَا خَلَقَ﴾ من شيءٍ، فانفرَد به، ولَتغالَبوا، فلعلَا بعضُهم على بعضٍ، وغلَب القويُّ منهم الضعيفَ؛ لأنَّ القويَّ لا يرضَى أن يعلُوَه ضعيفٌ، والضعيفُ لا يصلُحُ أنْ يكونَ إلهًا. فسبحانَ اللهِ ما أبلغَها من حجةٍ، وأوجزَها لمن عَقَل وتدبَّرَ!

وقولُه: ﴿إِذًا لَذَهَبَ﴾. جوابٌ لمحذوفٍ، وهو: لو كان معه إلهٌ إذنْ لذهَبَ كلُّ إلهٍ بما خلَقَ. اجتُزِئ بدلالةِ ما ذُكر عليه عنه.

وقولُه: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: تنزيهًا للهِ عما يصفُه به هؤلاء المشركون من أنَّ له ولدًا، وعما قالوه من أنَّ له شريكًا، أو أنَّ معه في القِدَم إلها يُعبدُ، .

وقولُه: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾. يقولُ تعالى ذِكرُه: هو عالمُ ما غابَ عن خلقِه من الأشياءِ، فلم يَرَوْه ولم يشاهدوه، [وما رأَوه] (١) وشاهَدوه. وإنما هذا من اللهِ خبرٌ عن هؤلاء الذين قالوا من المشركين: اتَّخَذَ اللهُ ولدًا. وعبَدوا من دونه آلهةً، أنَّهم فيما يقولون ويفعلون مُبْطِلون مخطئون، فإنَّهم يقولون ما يقولون من قولٍ في ذلك عن غير علمٍ، بل عن جهلٍ منهم به، وإنَّ العالِمَ بقديمِ الأمورِ وبحديثِها، وشاهدِها وغائبِها عنهم، اللهُ الذي لا يخفى عليه شيءٌ، فخبرُه هو الحقُّ دونَ خبرِهم.

وقال: (عالمُ الغَيْب). فرفع (عالمُ) على الابتداءِ، بمعنى: هو عالمُ الغيبِ. ولذلك دخَلتِ الفاءُ في قولِه: ﴿فَتَعَالَى﴾. كما يقالُ: مررتُ بأخيك المحسنُ،


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "فرأوه".