للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما في أسانيدِهما مِن الأسبابِ التي [يَجِبُ التثبتُ] (١) فيها مِن أجلِها.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أن اللهَ جلَّ ثناؤُه جعَل مكةَ حَرَمًا حينَ خلَقها وأنشأَها، كما أخبَر النبىُّ أنه حرَّمها يومَ خلَق السماواتِ والأرضَ بغيرِ تحريمٍ منه لها على لسانِ أحدٍ مِن أنبيائِه ورسلِه، ولكنْ بمنعِه جلَّ ثناؤُه مَن أرادها بسوءٍ، وبدفعِه عنها مِن الآفاتِ والعقوباتِ وعن ساكنيها، ما أحلّ بغيرِها وغيرِ ساكنيها مِن النِّقْماتِ، فلم يَزَلْ ذلك أمرَها حتى بَوَّأَها اللهُ إبراهيمَ خليلَه، وأسكَن بها أهلَه هاجرَ وولدَه إسماعيلَ، فسأَل حينَئذٍ إبراهيمُ ربَّه إيجابَ (٢) فرضِ تحريمِها على عبادِه على لسانِه؛ ليكونَ ذلك سنةً لمن بعدَه مِن خلقِه يَسْتَنُّون به (٣) فيها، إذ كان جلَّ ثناؤُه قد اتَّخَذَه خليلًا، وأخبَرَه أنَّه جاعلُه للناسِ إمامًا يُقْتَدى به، فأجابَه ربُّه إلى ما سأَله، وألزَم عبادَه حينَئذٍ فرضَ تحريمِه على لسانِه.

فصارت مكةُ بعدَ أن كانت ممنوعةً بمنعِ اللهِ إياها بغيرِ إيجابِ اللهِ فرضَ الامتناعِ منها على عبادِه، ومحرّمةً بدفعِ اللهِ عنها بغيرِ تحريمِه إياها على لسانِ أحدٍ مِن رسلِه -فرضًا تحريمُها على خلقِه على لسانِ خليلِه إبراهيمَ ، وواجبًا على عبادِه الامتناعُ مِن استحلالِها، واستحلالِ صيدِها وعِضاهِها، بإيجابِه الامتناعَ مِن ذلك؛ ببلاغِ إبراهيمَ رسالةَ اللهِ إليه بذلك إليهم (٤)، فلذلك أُضيف تحريمُها إلى إبراهيمَ صلواتُ اللهِ عليه، فقال رسولُ اللهِ : "إنَّ إبراهيمَ (٥) حَرَّمَ مَكّةَ"؛ لأن فرضَ تحريمِها الذى ألزَم اللهُ عبادَه على وجهِ العبادةِ له بِه- دونَ التحريمِ


(١) في م: "لا يجب التسليم".
(٢) في م، ت ٣: "إيجاد".
(٣) في م: "بها".
(٤) في م: "إليه".
(٥) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الله".