للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غليظةً يابسةً عن الإيمانِ بى، والتوفيقِ لطاعتى، منزوعةً منها الرأفةُ والرحمةُ.

وقرأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: (وجعَلْنا قلوبهم قَسِيَّةً) (١).

ثم اخْتَلَف الذين قرَءوا ذلك كذلك في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك معنى القسوةِ؛ لأن "فَعِيلةً" (٢) في الذمِّ أبْلغُ مِن "فاعلةٍ"، فاختَرْنا قراءتَها (قَسِيَّةً) على ﴿قَاسِيَةً﴾ لذلك.

وقال آخَرون منهم: بل معنى (قَسِيَّة) غيرُ معنى القسوةِ، وإنما القسِيَّةُ في هذا الموضعِ القلوبُ التي لم يَخْلُصْ إيمانُها باللَّهِ، ولكن يُخالِطُ إيمانَها كُفْرٌ، كالدراهمِ القَسِيَّةِ، وهى التي يُخالِطُ فضتَها غشٌّ مِن نُحاسٍ أو رَصاصٍ وغيرِ ذلك، كما قال أبو زُبَيْدٍ الطائيُّ (٣):

لها صَوَاهِلُ (٤) في صُمَّ السِّلَامِ كما … صاح القَسِيَّاتُ (٥) في أَيْدِى الصَّيارِيفِ (٦)

يَصِفُ بذلك وَقْعَ مَسَاحِى (٧) الذين حفَرُوا قبرَ عثمانَ على الصخورِ، وهى السِّلامُ.

وأعْجَبُ القراءتَيْن إليَّ في ذلك قراءةُ مَن قرَأ: (وجَعَلْنا قلوبَهم قَسِيَّةً). على "فَعيلةٍ"؛ لأنها أبْلَغُ في ذمِّ القومِ مِن قاسيةٍ.


(١) وهى قراءة حمزة والكسائى. السبعة ص ٢٤٣.
(٢) في ص، ت ١، ت ٢: "فعلية".
(٣) ديوانه ص ٣٨.
(٤) الصواهل: جمع الصاهلة مصدر على فاعلة بمعنى الصهيل وهو الصوت. اللسان (ص هـ ل).
(٥) القسيات: ضرب من الزيوف أي فضته صُلبة رديئة ليست بلينة. اللسان (ق س و).
(٦) الصياريف والصيارِف، جمع الصرَّاف والصَّيْرف والصيرفى، وهو النَّقاد المُصارفة. اللسان (ص ر ف).
(٧) المساحى، جمع مِسحاة وهى المجرفة من الحديد والميم زائدة لأنه من السَّحْو، الكشف والإزالة. النهاية ٢/ ٣٤٩.