للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَزَلْ بالشامِ حتى كان ابنَ ثلاثين سنةً، وكانت نبوَّتُه ثلاثَ سنينَ، ثم رفَعه اللهُ إِليه. قال: وزعَم وَهْبٌ أنه ربما اجتمَع على عيسى مِن المرضَى في الجماعةِ الواحدةِ خمسون ألفًا، مَن أطاق منهم أن يَبْلُغَه بلَغه، ومَن لم يُطِقْ منهم ذلك أتاه عيسى يَمْشِى إليه، وإنما كان يُداوِيهم بالدعاءِ إلى اللهِ (١).

وأما قولُه: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ﴾. فإنه يَعْنى: وأُخبِرُكم بما تأْكلون ممّا لم أُعاينْه وأشاهدْه معكم (٢) في وقتِ أكلِكُمُوه، ﴿وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾. يعْنى بذلك: وما تَرْفَعونه فتُخَبِّئُونه ولا تَأْكُلُونه. يُعْلِمُهم أن مِن حُجَّتِه أيضًا على نبوّتِه - مع المعجزاتِ التي أعلَمهم أنه يأتى بها حُجّةٌ على نُبُوَّتِه وصدقِه في خبَرِه أن الله أرسلَه إليهم؛ مِن خلقِ الطيرِ مِن الطينِ، وإبراءِ الأكْمَهِ والأبرصِ، وإحياءِ الموتَى بإذنِ اللهِ، التي لا يُطِيقُها أحدٌ مِن البشرِ إلا مَن أعطاه اللهُ ذلك؛ عَلَمًا له على صدقِه، وآيةً له على حقيقةِ قولِه، مِن أنبيائِه ورسلِه، ومَن أحِبَّ مِن خلقِه - إنباءَه عن الغيبِ الذي لا سبيلَ لأحدٍ من البشرِ الذين سبيلُهم سبيلُه، عليه.

فإن قال قائلٌ: وما كان في قولِه لهم: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ مِن الحجةِ له على صدقِه، وقد رأَينا المتَنَجِّمةَ والمُتَكَهنةَ تخبرُ بذلك كثيرًا فتصيبُ؟

قيل: إن المُتَنَجِّمَ والمُتَكَهِّنَ معلومٌ منهما عندَ مَن يُخْبِرانِه (٣) بذلك أنهما يُنَبِّئانِ به عن استخراجٍ له ببعضِ الأسبابِ المؤديةِ إلى علمِه، ولم يَكُنْ ذلك كذلك مِن عيسى صلواتُ اللهِ عليه، ومِن سائرِ أنبياءِ الله ورسُلِه، وإنما كان عيسى يُخْبِرُ به عن


(١) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٥٩٨.
(٢) في س: "منكم".
(٣) في النسخ: "يخبره". والسياق يقتضى ما أثبت.