للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذُبِح بدينِه أو دينِ مِن كان يَدِينُ ببعضِ شَرائعِ كتبِه المعروفةِ، وتحريمِ ما أُهِلَّ به لغيرِه مِن الحيوانِ، وزَجْرِهم عن الإصغاء لما يُوحِي الشياطينُ بعضُهم إلى بعضٍ مِن زُخرفِ القولِ في الميتةِ والمُنْخَنِقةِ والمُتَرَدِّيةِ وسائرِ ما حرَّم اللهُ مِن المَطاعمِ، ثم قال: وما يَمْنَعُكم مِن أكلِ ما ذُبِح بديني الذي ارْتَضَيتُه وقد فصَّلْتُ لكم الحلالَ مِن الحرامِ فيما تَطْعَمون، وبيَّنْتُه لكم بقولي (١): ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ إلى قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣]. فلا لَبْسَ عليكم في حَرامِ ذلك مِن حلالِه، فتَمْتَنعوا مِن أكلٍ حَلالِه، حَذَرًا مِن مُواقعةٍ حَرامِه.

فإذ كان ذلك معناه، فلا وجهَ لقولِ مُتأوِّلي ذلك: وأيُّ شيءٍ لكم في أن لا تَأْكُلوا؟ لأن ذلك إنما يقالُ كذلك لمن كان كفَّ عن أكلِه رجاءَ ثوابٍ بالكفِّ عن أكلِه، وذلك يَكونُ ممَّن آمَن بالكفِّ، فكفَّ اتِّباعًا لأمرِ اللهِ، وتسليمًا لحكمِه، ولا نَعْلَمُ أحدًا مِن سلفِ هذه الأمةِ كفَّ عن أكلِ ما أَحَلَّ اللهُ مِن الذبائحِ رجاءَ ثوابِ اللهِ على تركِه ذلك، واعْتقادًا منه أن اللهَ حرَّمه عليه، فبيِّنٌ بذلك إذ كان الأمرُ كما وصَفْنا أن أولى التأويلين في ذلك بالصوابِ ما قلنا.

وقد بيَّنا فيما مضى قبلُ أن معنى قولِه: فصَّل، وفصَّلْنا، وفُصِّل: بيَّن، وبُيِّن، بما يُغْنِي عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٢).

كما حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾. يقولُ: قد بَيَّن لكم ما حرَّم عليكم (٣).

حدَّثني يونُسُ، قال: أَخْبَرنا ابنُ وهبٍ، عن ابنُ زيدٍ مثلَه.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "بقول"، وفي م: "بقوله".
(٢) ينظر ما تقدم ص ٢٧٦، ٤٣٢، ٤٤٣، ٥٠٦.
(٣) تفسير عبد الرزاق ١/ ٢١٧، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٣٧٦ (٧٨١٧) - عن معمر به.