للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واخْتَلَفَت القرأةُ في قولِ اللهِ جلَّ ثناؤُه: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾؛ [فقرَأه بعضُهم] (١) بفتحِ أولِ الحرفين مِن ﴿فَصَّلَ﴾ [و ﴿حَرَّمَ﴾ (٢) أيْ: فصَّل ما حرَّمه] (١) مِن مطاعمِكم فبيَّنه لكم.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفيين: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ﴾ بفتحِ فاءِ "فصَّل"، وتشديدِ صادِه، "ما حُرِّم" بضمِّ حائِه وتشديدِ رائِه (٣)، بمعنى: وقد فصَّل اللهُ لكم المحرَّمَ عليكم مِن مَطاعمِكم.

وقرَأ ذلك بعضُ المكيين وبعضُ البصريين: (وقد فُصِّل لكم) بضمِّ فائِه وتشديدِ صادِه، (ما حُرِّم عليكم) بضمِّ حائِه وتشديِد رائِه، على وجهِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه في الحرفين كليهما (٤).

ورُوِي عن عطيةَ العَوْفيِّ أنه كان يَقْرَأُ ذلك: (وقد فَصَل) بتخفيفِ الصادِ وفتحِ الفاءِ (٥)، بمعنى: وقد أتاكم حكمُ اللهِ فيما حَرَّم عليكم.

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أن يقالُ: إن كلَّ هذه القراءاتِ الثلاثِ التي ذكَرْناها، سوى القراءةِ التي ذكرنا عن عطيةَ، قراءاتٌ معروفاتٌ، مستفيضةٌ القراءةُ بها في قرأةِ الأمصارِ، وهن متَّفقاتُ المعاني، غيرُ مختلفاتٍ، فبأيِّ ذلك قرَأ القارئُ فمُصيبٌ فيه الصوابَ.

وأما قولُه: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾. فإنه يعني تعالى ذكرُه أن ما اضطُرِرْنا


(١) سقط مِن: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف.
(٢) هي قراءة نافع، وحفص عن عاصم. حجة القراءات ص ٢٦٩.
(٣) هي رواية أبي بكر عن عاصم، وقراءة حمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٤) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر. المصدر السابق.
(٥) ينظر سنن سعيد بن منصور (٩١٠ - تفسير)، وتفسير القرطبي ٧/ ٧٣، والبحر المحيط ٤/ ٢١٠.