للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علومِهم، ومَصونِ ما في كُتبِهم، وخفيِّ أمورِهم، التي لم يكنْ يدَّعِي معرفَةَ عِلْمِها غيرُهم وغيرُ مَن أخَذ عنهم وقرَأ كُتُبَهم. وكان معلومًا من محمدٍ أنه لم يكنْ قطُّ كاتبًا، ولا لأسفارِهم تاليًا، ولا لأحدٍ منهم مصاحبًا ولا مجالسًا، فيمكِنَهم أن يَدَّعُوا أنه أخَذ ذلك من كُتبِهم، أو عن بعضِهم، فقال جلَّ ذكرُه في تعدِيدِه عليهم ما هم فيه مقيمون من نِعَمِه مع كفرِهم به، وتركِهم شُكْرَه عليها بما يَجِبُ له عليهم منَ طاعتِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.

فأخبَرهم جلَّ ذِكْرُه أنه خلَقَ لهم ما في الأرضِ جميعًا؛ لأن الأرضَ وجميعَ ما فيها لبني آدمَ منافعُ، أما في الدِّينِ فدليلٌ (١) على وحدانيةِ ربِّهم (٢)، وأما في الدنيا فمعاشٌ وبلاغٌ لهم (٣) إلى طاعتهِ، وأداءِ فرائضِه، فلذلك قال جلَّ ثناؤُه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾.

وقولُه: ﴿هُوَ﴾ مَكْنِيٌّ (٤) من اسمِ اللهِ جلَّ ذِكْرُه، عائدٌ على اسمِه في قولِه: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾. ومعنى خلْقِه ما خَلق جلّ ثناؤُه؛ إنشاؤُه عينَه، وإخراجُه من حالِ العدَمِ إلى الوجودِ. و ﴿مَا﴾ بمعنى "الذي"، فمعنى الكلامِ إذن: كيفَ تكفرون باللهِ وقد كنتم نُطَفًا في أصلابِ آبائِكم، فجعَلكم بشرًا أحياءً، ثم يميتُكم، ثم هو مُحيِيكم بعد ذلك، وباعثُكم يومَ الحشرِ للثوابِ


(١) بعده في الأصل: "له".
(٢) في الأصل: "ربه".
(٣) في ص: "له".
(٤) إنما أطلق الكوفيون على الضمير: "المكني" أو "الكناية". لأنه يرمز به عن الظاهر اختصارا، فهو اسم كنى به عن اسم. ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ٥، ١٩، ٥٠، وشرح المفصل ٣/ ١٨٤، وشرح الرضى ٢/ ٩٣.