للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذهَب الحسنُ بقولِه هذا إلى أن الحصيرَ في هذا الموضعِ عُنِى به الحصيرُ الذي يُبْسَطُ ويُفتَرَشُ؛ وذلك أن العربَ تسمى البساطَ الصغيرَ حصيرًا، فوجَّه الحسنُ معنى الكلامِ إلى أن اللَّهَ تعالى جعَل جهنمَ للكافرين به بساطًا ومِهادًا، كما قال: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١]. وفوجَّه الحسنُ وتأويلٌ صحيحٌ، وأما الآخرون، فوجَّهوه إلى أنه فَعِيلٌ مِن الحَصْرِ الذي هو الحبسُ. وقد بيَّنتُ ذلك بشواهدِه في سورةِ البقرةِ (١)، وقد تسمِّى العربُ الَمِلكَ حصيرًا بمعنى أنه محصورٌ، أي: محجوبٌ عن الناسِ. كما قال لبيدٌ (٢):

وَمَقامَةٍ (٣) غُلْبِ (٤) الرِّقابِ كَأَنَّهُمْ … جِنٌّ لَدَى بابِ الحَصِيرِ قِيامُ

يعنى بالحصيرِ: المَلِكَ. ويقالُ للبخيلِ: حصورٌ وحَصِرٌ؛ لمنعِه ما لديه مِن المالِ عن أهلِ الحاجةِ، وحبسِه إياه عن النفقةِ، كما قال الأخطلُ (٥):

وَشَارِبٍ مُربحٍ بالكأْسِ نَادَمَنِى … لا بالحَصُورِ وَلا فيها بِسَوَّارِ

ويُروى: بسّآرِ. ومنه الحَصِرُ في المنطقِ؛ لامتناعِ ذلك عليه، واحتباسِه إذا أراده، ومنه أيضًا الحَصورُ عن النساءِ؛ لتعذُّرِ ذلك عليه، وامتناعِه من الجماعِ. وكذلك الحَصَرُ في الغائطِ: احتباسُه عن الخروجِ. وأصلُ ذلك كلِّه واحدٌ وإن اختلَفت ألفاظُه. فأما الحَصِيران: فالجَنْبان، كما قال الطَّرِمَّاحُ (٦):


(١) تقدم في ٣/ ٣٤٢ وما بعدها.
(٢) ديوانه ص ٢٩٠، والرواية فيه: لدى طرف الحصير. والبيت في مجاز القرآن ١/ ٣٧١، واللسان (ق و م). والرواية فيهما كما عند المصنف.
(٣) المقامة: المجلس، ويقال للجماعة يجتمعون في مجلس: مقامة. اللسان (ق و م).
(٤) جمع أغلب وهو الغليظ الرقبة. التاج (غ ل ب).
(٥) تقدم في ٥/ ٣٧٦، ٣٧٧.
(٦) ديوانه ص ٤٨٠.