للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُبْعَدُونَ﴾؛ لعيسى وغيرِه (١).

وأولى الأقوالِ في تأويلِ ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: عنَى بقولِه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ ما كان مِن مَعبودٍ كان المشركون يَعبُدُونه، والمعبودُ للَّهِ مطيعٌ، وعابِدُوه بعبادتِهم إياه باللَّهِ كفارٌ؛ لأن قولَه تعالى ذِكرُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى﴾. ابتداءُ كلامٍ مُحقِّقٍ لأمرٍ كان يُنْكِرُه قومٌ، على نحو الذي ذكَرْنا (٢) الخبرَ عن ابن عباسٍ، فكأنَّ المشركين قالوا لنبيِّ اللَّهِ ، إذ قال لهم: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾: ما الأمرُ كما تقولُ؛ لأنَّا نَعْبُدُ الملائكةَ، ويعبدُ آخرون المسيحَ وعُزَيرًا. فقال اللَّهُ جَلَّ وعزَّ رادًّا (٣) عليهم قولَهم: بل ذلك كذلك، وليس الذين سبَقت لهم مِنَّا الحُسْنى، هم عنها مُبْعَدون؛ لأنَّهم غيرُ مَعْنِيِّين بقولنا: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾.

فأمَّا قولُ الذين قالوا: ذلك استثناءٌ مِن قولِه: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾. فقولٌ لا معنَى له؛ لأنَّ الاستثناءَ إنَّما هو إخراجُ المستَثْنَى مِن المستَثنَى منه، ولا شكَّ أنَّ الذين سبَقت لهم [من اللَّهِ] (٤) الحُسْنَى إِنَّما هم؛ إمّا ملائكةٌ، وإمّا إنسٌ، أو جانٌّ، وكلُّ هؤلاءِ إذا ذكَرَتْها العربُ فإنَّ أكثَر ما تذكُرُها بـ "من"، لا بـ "ما"، واللَّهُ تعالى ذِكرُه إنَّما ذكَر المعبودين الذين أخبَر أنَّهم حَصَبُ جَهنم بـ "ما" قال: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ


(١) ذِكرُه ابن كثير في تفسيره ٥/ ٣٧٥ عن أبي كدينة به.
(٢) بعده في م: "في".
(٣) في م: "رداء".
(٤) في ص، م: "منا".