للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بابْتعاثِه فيهم الرسلَ دعاةً إلى الحقِّ، وإيضاحِه حُجَجَه لهم، ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾، يقولُ: وأخْلِصوا له الدعاءَ والعملَ، ولا تُشْرِكوا في عملِكم له شيئًا غيرَه مِن الآلهةِ والأصنامِ وغيرِ ذلك، وليكنْ ما يكونُ منكم مِن (١) ذلك خوفًا مِن عقابِه، وطمَعًا في ثوابِه، فإِنَّ مَن كان دعاؤُه إياه على غيرِ ذلك، فهو بالآخرةِ مِن المُكذِّبين؛ لأن مَن لم يَخَفْ عقابَ اللَّهِ، ولم يَرْجُ ثوابَه، لم يُبالِ ما رَكِبَ مِن أمرٍ يَسْخَطُه اللهُ ولا يَرْضَاه، ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: إن ثوابَ اللهِ الذي وعَد المحسنين على إحْسانِهم في الدنيا قريبٌ منهم، وذلك هو رحمتُه؛ لأنه ليس بينَهم وبينَ أن يَصِيروا إلى ذلك مِن رحمتِه وما أعدَّ لهم مِن كرامتِه، إلا أن تُفارِقَ أرواحُهم أجسادَهم.

ولذلك مِن المعنى ذُكِّرَ قولُه: ﴿قَرِيبٌ﴾. وهو مِن خبرِ "الرحمةِ"، و"الرحمةُ" مؤنثةٌ؛ لأنه أُرِيدَ به القربُ في الوقتِ لا في النسبِ. والأوقاتُ بذلك المعنى، إذا وقعَت أخبارًا للأسماءِ أَجْرَتْها العربُ مُجْرَى الحالِ (٢)، فَوَحَّدَتها مع الواحدِ والاثنينِ والجميعِ، وذَكَّرَتها مع المؤنثِ، فقالوا: كرامةُ اللهِ (٣) بعيدٌ مِن فلانٍ، وهى قريبٌ مِن فلانٍ. كما يقولون: هندٌ منَّا قريبٌ، والهندان منا قريبٌ، والهنداتُ منا قريبٌ؛ لأن معنى ذلك: هي في مكانٍ قريبٍ منَّا. فإذا حَذَفوا المكانَ، وجَعَلوا القريبَ خلفًا منه، ذَكَّروه ووَحَّدُوه في الجمعِ، كما كان المكانُ مذكَّرًا وموحَّدًا في الجمعِ. وأما إذا أَنَّثُوه أخْرَجوه مثنًّى مع الاثنينِ، ومجموعًا مع الجميعِ، فقالوا: هي قريبةٌ مِنَّا، وهما [قَرِيبتان منك] (٤). كما قال عروةُ بنُ الوردِ (٥):


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "في".
(٢) في الأصل، ص، ت ١، ف: "المحال".
(٣) بعده في الأصل، ص، ت ١، س، ف: "فلانة".
(٤) في ص، م: "منا قريبتان"، وفى ت ١، ت ٢، ت ٣: "منا قريبان".
(٥) كذا في النسخ والصواب عروة بن حزام، والبيت في معاني القرآن للفراء ١/ ٣٨١، ونسبه إلى عروة فقط،=