للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن أبي رَوْقٍ، عن الضحَّاكِ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾. قال: يسخَرُ بهم للنِّقمةِ منهم (١).

وأمّا الذين زعَموا أن قولَ اللهِ جلّ ثناؤُه: ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾. إنما هو على وجهِ الجوابِ، وأنه لم يكنْ من اللهِ استهزاءٌ ولا مكرٌ ولا خديعةٌ، فنافون عن اللهِ جلّ ثناؤُه ما قد أثْبَته اللهُ جلّ ثناؤُه لنفسِه وأوْجَبه لها. وسواءٌ قال قائلٌ: لم يكنْ من اللهِ جلَّ ذكرُه استهزاءٌ ولا مكرٌ (٢) ولا سُخريةٌ بمن أخْبَر أنه يَسْتَهزِئُ ويسخَرُ ويمكُرُ به. أو قال: لم يخسِفِ اللهُ بمن أخْبَر أنه خسَف به من الأممِ، ولم يُغرقْ من أخْبَر أنه غرّقه منهم.

ويقالُ لقائلِ ذلك: إن اللهَ جلَّ ثناؤُه أخْبَرنا أنه مكَر بقومٍ مضَوا قبلَنا لم نَرَهم، وأخْبَر عن آخرين أنه خسَف بهم، وعن آخرين أنه غرّقهم، فصدَّقْنا اللهَ جلّ ثناؤُه فيما أخْبَرنا به من ذلك، ولم نفرِّقْ بين شيْءٍ منه، فما برهانُك على تفريقِك ما فرَّقْتَ بينَه، بزعمِك أنه قد غرّق وخسَف بمن قد (٣) أخْبَر أنه غرّقه وخسَف به، ولم يمكُرْ بمن أخْبَر أنه قد مكَر به؟ ثم يُعكَس القولُ عليه في ذلك، فلن يقولَ في أحدِهما شيئًا إلا أُلْزِم في الآخرِ مثلَه.

فإن لجَأ إلى أن يقولَ: إن الاستهزاءَ عبثٌ ولعبٌ، وذلك عن اللهِ ﷿ منفيٌّ.

قيل له: إن كان الأمرُ عندَك على ما وصَفْتَ من معنى الاستهزاءِ، أفَلسْتَ تقولُ: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بهم، وسخِر اللهُ منهم، ومكَر اللهُ بهم. وإن لم


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٤٨ (١٤٣) من طريق أبي كريب به.
(٢) بعده في م: "ولا خديحة".
(٣) زيادة من: ر.