للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقَدِيمِ (٣٩) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)﴾.

قال أبو جعفرٍ : اختَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ قوله: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾؛ فقرأه بعضُ المَكِّيين وبعضُ المَدَنيين وبعضُ البَصْريين: (والقَمَرُ) رفعًا (١)، عطفًا بها على "الشمسِ"، إذ كانت "الشمسُ" معطوفةً على "الليلِ"، فأتبَعوا "القمرَ" أيضًا "الشمسِ" في الإعرابِ؛ لأنه أيضًا من الآياتِ، كما الليلُ والشمسُ (٢) آيتان، فعلى هذه القراءةِ تأويلُ الكلامِ: وآيةٌ لهم القمرُ قَدَّرناه منازلَ. وقرأ ذلك بعضُ المَكِّيين وبعضُ المَدَنيين وبعضُ البَصْريين وعامةُ قَرَأةِ الكوفةِ نصبًا: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ﴾ (٣). بمعنى: وقَدَّرنا القمرَ منازلَ، كما فعَلنا ذلك بالشمس. فرَدُّوه على الهاءِ من الشمسِ في المعنى؛ لأن الواوَ التي فيها للفعل المتأخرِ.

والصوابُ من القولِ في ذلك عندَنا أنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى، فبأيتِهما قرأ القارئُ فمصيبٌ، فتأويلُ الكلامِ: وآيةٌ لهم تقديرُنا القمرَ منازل؛ للنقصانِ بعدَ تناهيه وتمامِه واستوائِه. ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾، والعُرْجونُ: هو (٤) من العِذْقِ من الموضعِ النابتِ في النخلةِ إلى موضعِ الشَّماريخ.

وإنما شَبَّهَه جلَّ ثناؤُه بالعرجونِ القديمِ - والقديمُ هو اليابسُ - لأن ذلك من العِذْقِ لا يكادُ يوجَدُ إلا متقوِّسًا منحنيًا إذا قَدُم ويَبِسَ، ولا يكادُ أن يُصابَ مستويًا معتدِلًا كأغصانِ سائر الأشجارِ وفروعِها، فكذلك القمرُ إذا كان في آخرِ الشهرِ قبلَ


(١) قراءة الرفع هي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو، ينظر حجة القراءات ص ٥٩٩.
(٢) في م: "النهار".
(٣) قراءة النصب هي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. المصدر السابق.
(٤) ليست في: م، ت ١، ت ٢.