للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمَرْتَنا بذبحِها. وهذا أيضًا تعنُّتٌ آخرُ منهم بعدَ الأولِ، وتكلُّفُ طلبِ ما قد كانوا كُفوه في المرةِ الثانيةِ والمسألةِ الآخِرةِ، وذلك أنهم لم يكونوا حُصِروا في المرةِ الثانيةِ، إذ قيل لهم بعد مسألتِهم عن حِلْيةِ البقرةِ التي كانوا أُمِروا بذبحِها، فأبَوْا إلا تكلُّفَ ما قد كُفُوه مِن المسألةِ عن صفتِها، فحُصِروا على نوعٍ دونَ سائرِ الأنواعِ؛ عقوبةً مِن اللهِ لهم على مَسألتِهم التى سأَلوها نبيَّهم تعنُّتًا منهم له، ثمَّ لم يَحْصُرْهم على لونٍ منها دونَ لونٍ، فأبَوْا إلا تَكَلُّفَ ما كانوا عن تَكَلُّفِه أغْنِياءَ، فقالوا -تعنُّتًا منهم لنبيِّهم كما ذكَر ابنُ عباسٍ-: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾ فقيل لهم عقوبةً لهم: ﴿إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ فحُصِروا على لونٍ منها دونَ لونٍ، ومعنى ذلك: أن البقرةَ التي أمَرْتُكم بذبحِها صفراءُ فاقعٌ لونُها.

قال ومعنى قولِه: ﴿يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾: أىُّ شيءٍ لونُها؟ فلذلك كان اللونُ مرفوعًا؛ لأنه مُرافَعُ "ما"، وإنما لم يُنْصَبْ "ما" بقولِه: ﴿يُبَيِّنْ لَنَا﴾ لأنَّ أصلَ "أىٍّ" و"ما" جمعُ مُتَفَرِّقِ الاستفهامِ. يقولُ (١) القائلُ: بَيِّنْ لنا أسوداءُ هذه البقرةُ أم صفراءُ؟ فلما لم يَكُنْ [لقولِه: بيِّنْ لنا. أن يقعَ على الاستفهامِ متفرِّقًا، لم يكنْ له أن يقعَ] (٢) على "أىٍّ"؛ لأنه جمعُ ذلك المتفرِّقِ، وكذلك كلُّ ما كان مِن نظائرِه، فالعملُ فيه واحدٌ في "ما" و"أىٍّ".

واخْتَلَف أهلُ التأويلِ في معنى قولِه: ﴿صَفْرَاءُ﴾؛ فقال بعضُهم: معنى ذلك: سوداءُ شديدةُ السَّوادِ.


(١) في النسخ: "كقول". والمثبت يقتضيه السياق.
(٢) في النسخ: "كقوله بين لنا ارتفع على الاستفهام منصرفا لم يكن له ارتفع". والمثبت هو الصواب. وينظر معانى القرآن للفراء ١/ ٤٦ - ٤٨.