للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اختلَف أهلُ المعرفةِ بكلامِ العربِ في معنى ﴿أُفٍّ﴾؛ فقال بعضُهم: معناه: كلُّ ما غلَظ من الكلامِ وقبُح.

وقال آخرون: الأُفُّ وسخُ الأظفارِ، والتَّفُّ كلُّ ما رفَعْتَ بيدِك من الأرضِ من شيءٍ حقيرٍ.

وللعربِ في "أُفٍّ" لغاتٌ ستٌّ؛ رفعُها بالتنوينِ، وغيرِ التنوينِ، وخفضُها كذلك، ونصبُها.

فَمَن حَفَض ذلك بالتنوينِ، وهى قراءةُ عامةِ أهلِ المدينةِ (١)، شبَّهها بالأصواتِ التي لا معنى لها، كقولِهم في حكايةِ الصوتِ: غاقٍ غاقٍ. فخفَضوا القافَ ونوَّنُوها، وكان حكمُها السكونَ، فإنه لا شيءَ يُعْرِبُها من أجلِ مجيئِها بعدَ حرفٍ ساكنٍ، وهو الألفُ، فكَرِهوا أن يجمَعوا بيَن ساكنين، فحرَّكوا إلى أقربِ الحركاتِ من السكونِ، وذلك الكسرُ؛ لأن المجزومَ إذا حُرِّك فإنما يُحرَّكُ إلى الكسرِ.

وأما الذين خفَضوا بغيرِ تنوينٍ، وهى قراءةُ عامةِ قرأةِ الكوفيين والبصريين (٢)، فإنهم قالوا: إنما يُدْخِلُون التنوين فيما جاء من الأصواتِ ناقصًا، كالذى يأتى على حرفين مثلِ: "مهٍ"و "صهٍ" و "بخ"، فيُتَمَّمُ بالنونِ (٣) لنقصانِه عن أبنيةِ الأسماءِ. قالوا: و "أُفٍّ" تامٌّ لا حاجةَ بنا إلى تتمتِه بغيرِه؛ لأنَّه قد جاء على ثلاثةِ أحرفٍ. قالوا: وإنما كسَرنا الفاءَ الثانيةَ لئلا نَجْمَعَ بيَن ساكنين.

وأما مَن ضَمَّ ونَوَّن، فإنه قال: هو اسمٌ كسائرِ الأسماءِ التي تُعْرَبُ، وليس


(١) وهى قراءة نافع وعاصم في رواية حفص، السبعة لابن مجاهد ص ٣٧٩.
(٢) وهى قراءة أبى عمرو، وعاصم في رواية أبى بكر، وحمزة والكسائى. المصدر السابق.
(٣) في م: "بالتنوين". والمراد بالنون التنوين. ينظر ما تقدم في ١٣/ ١٤٢، ١٤٣.