للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أن يُقال: إن الله تعالى ذكرُه قال: ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾. وجائزٌ أن يكونَ عَنى به الموتَ؛ لأنه عظيمٌ في صدورِ بني آدمَ، وجائزٌ أن يكونَ أراد به السماءَ والأرضَ، وجائزٌ أن يكونَ أراد به غيرَ ذلك، ولا بيانَ في ذلك أبينُ مما بَيَّنَ جلَّ ثناؤُه، وهو كلُّ ما كَبُر في صدورِ بنى آدمَ مِن خَلْقِه؛ لأنه لم يَخْصُصْ منه شيئًا دونَ شيءٍ.

وأما قولُه: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا﴾. فإنه يقولُ: فسيقولُ لك يا محمدُ هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرةِ: ﴿مَنْ يُعِيدُنَا﴾ خلقًا جديدًا، إن كُنَّا حجارةً أو حديدًا أو خلقًا مما يَكْبُرُ في صدورِنا؟! فقل لهم: يُعِيدُكم ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. يقولُ: يُعيدُكم كما كنتُم قبلَ أن تَصِيروا حجارةً أو حديدًا إنسًا أحياءً، الذي خلَقكم إنسًا من غيرِ شيءٍ أولَ مرةٍ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾. أي: خَلَقَكُم (١).

وقولُه: (٢) ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾. يقولُ: فإنك إذا قلتَ لهم ذلك، فسيَهزُّون إليك رءوسَهم برفعٍ وخفضٍ.

وكذلك النَّغْضُ في كلامِ العربِ، إنما هو حركةٌ بارتفاعٍ ثم انخفاضٍ، أو انخفاضٍ ثم ارتفاعٍ، ولذلك سُمِّيَ الظليمُ نَغْضًا؛ لأنه إذا عَجَّل المشيَ ارتفَع وانخفَض وحرَّك رأسَه، كما قال الشاعرُ (٣):


(١) تقدم تخريجه في ١٢/ ٤٤٣.
(٢) سقط من: م.
(٣) هو العجاج بن رؤبة، ديوانه ص ٣٥٠.