للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَدَّثَنِي يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: اضطُرُّوا إلى بقرةٍ لا يَعْلَمون على صفتِها غيرَها، وهى صفراءُ ليس فيها سَوادٌ ولا بياضٌ، فقالوا: هذه بقرةُ فلانٍ، ﴿الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾. وقبلَ ذلك واللهِ قد جاءَهم بالحقِّ (١).

وأولى التأويلين عندَنا بقولِه: ﴿قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾. قولُ قتادةَ، وهو أن تأويلَه: الآن بيَّنتَ لنا الحقَّ في أمرِ البقرِ (٢)، فعرَفْنا أيُّها (٣) الواجبُ علينا ذبحُها منها؛ لأنَّ اللهَ جلَّ ثناؤُه قد أخبَر عنهم أنهم قد أطاعوه، فذبَحوها بعد قِيلِهم هذا مع غِلَظِ مؤنةِ ذبحِها عليهم وثِقَلِ أمْرِها، فقال: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾. وإن كانوا قد قالوا -بقولِهم: الآن بيَّنْتَ لنا الحقَّ- هُراءً (٤) مِن القولِ، وأتَوْا خطأً وجهلًا مِن الأمرِ، وذلك أن نبيَّ اللهِ موسى كان مُبَيِّنًا لهم -في كلِّ مسألةٍ سأَلوها إياه، وردٍّ (٥) رادُّوه في أمرِ البقرةِ- الحقَّ، وإنما يُقالُ: الآن بَيَّنْتَ لنا الحقَّ لمن لَمْ يَكُنْ مُبَيِّنًا قبلَ ذلك، فأما مَن كان كلُّ قِيلِه -فيما أبان عن اللهِ تعالى ذكْرُه- حقًّا وبيانًا، فغيرُ جائزٍ أن يقالَ له في بعضِ ما أبان عن اللهِ في أمرِه ونهيِه، وأدَّى عنه إلى عبادِه مِن فرائضِه التى أوجَبها عليهم: ﴿الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾. كأنَّه لم يَكُنْ جاءهم بالحقِّ قبلَ ذلك.

وقد كان بعضُ مَن سلَف يَزعُمُ أن القومَ ارْتَدُّوا عن دينِهم، وكفَروا بقولِهم لموسى: ﴿الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾. ويَزعُمُ أنهم نفَوْا أن يكونَ موسى أتاهم بالحقِّ في أمْرِ البقرةِ قبلَ ذلك، وأن ذلك مِن فعْلِهم وقِيلِهم كفرٌ.


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ١٥٩ مقتصرًا على آخره. وتقدم بطوله في ص ١٠٠، ١٠١.
(٢) في النسخ: "البقرة". والمثبت يقتضيه السياق.
(٣) في م، ت ٢: "أنَّها"، وفى ت ١، ت ٣: "أنه".
(٤) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "هزوا".
(٥) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "رده".