للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿كِسَفًا﴾؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ الكوفةِ والبصرةِ بسكونِ السينِ (١). بمعنى: أو تُسْقِطَ السماءَ كما زعَمْتَ علينا كِسْفًا. وذلك أن الكِسْفَ في كلامِ العربِ جمعُ كِسْفَةٍ، وهو جمعُ الكثيرِ من العددِ [وللجنسِ] (٢)، كما تُجْمَعُ السِّدْرَةُ "سدْرٌ"، والتَّمْرَةُ "تَمْرٌ"، فحُكِى عن العربِ سماعًا: أعطِني كِسْفَةً من هذا الثوبِ. أي: قطعةً منه. يقالُ منه: جاءنا بثريدٍ كِسْفٍ. أي: قِطَعِ (٣) خُبْزٍ.

وقد يَحْتَمِلُ إذا قُرِئَ كذلك: (كِسْفًا). بسكونِ السينِ، أن يكونَ مُرَادًا به المصدرُ من "كَسَفَ". فأما "الكِسَفُ" بفتحِ السينِ، فإنه جمعُ ما بينَ الثلاثِ إلى العشرِ، يقالُ: كِسْفَةٌ واحدةٌ، وثلاثُ كِسَفٍ. وكذلك إلى العشرِ.

وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ أهلِ المدينةِ وبعضُ الكوفيين: ﴿كِسَفًا﴾. بفتحِ السينِ (٤)، بمعنى جمعِ الكِسْفَةِ الواحدةِ من الثلاثِ إلى العشرِ، يعنى بذلك قِطَعًا ما بينَ الثلاثِ إلى العشرِ.

وأولَى القراءتَيْن في ذلك بالصوابِ عندى (٥) قراءةُ مَن قرَأ بسكونِ السينِ؛ لأن الذين سألُوا رسولَ اللَّهِ ذلك، لم يَقْصِدُوا في مسألِتهم إياه ذلك أن يكونَ بحدٍّ معلومٍ من القِطَعِ، إنما سأَلُوه أن يُسْقِطَ عليهم السماءَ قِطَعًا. وبذلك جاء التأويلُ أيضًا من (٦) أهلِ التأويلِ.


(١) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٣٨٥.
(٢) في م، ف: "للجنس"، وفي ت ١، ت ٢: "والجنس".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "قطيع".
(٤) وهى قراءة نافع وعاصم وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص ٣٨٥.
(٥) القراءتان كلتاهما صواب.
(٦) في م: "عن".