للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفرُّقِهم في القبورِ عندَ قيامِ الساعةِ ﴿عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا﴾. وهو جمعُ أَبْكَمَ، ويعنى بالبُكْمِ الخُرْسَ.

كما حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: ثنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا معمرٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿وَبُكْمًا﴾. قال: الخُرْسُ (١).

﴿وَصُمًّا﴾. وهو جمعُ أصمَّ.

فإن قال قائلٌ: وكيف وصَف اللَّهُ هؤلاء بأنهم يُحشَرون عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا، وقد قال: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا﴾ [الكهف: ٥٣]. فأخبرَهم (٢) أنهم يَرَوْنَ، وقال: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (١٢) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الفرقان: ١٢، ١٣]. فأخبرَ أنهم يَسْمَعُونَ ويَنْطِقُون؟

قيل: جائزٌ أن يكونَ ما وصَفهم اللَّهُ به من العَمَى والبَكَمِ والصَّمَمِ يكونُ صفتَهم في حالِ حشرِهم إلى موقفِ القيامةِ، ثم يُجْعَلُ لهم أسماعٌ وأبصارٌ ومنطقٌ في أحوالٍ أُخرَ غيرِ حالِ الحشرِ، ويجوزُ أن يكونَ ذلك كما رُوِى (٣) عن ابن عباسٍ في الخبرِ الذي حدَّثَنيه عليُّ بنُ داودَ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾. ثم قال: ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا﴾. وقال: ﴿سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ وقال: ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾: أما قولُه: و ﴿عُمْيًا﴾. فلا يرَون شيئًا


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ٣٩٠.
(٢) في م: "فأخبر".
(٣) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ف.