للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثرُهم طعامًا كان خليقًا أن يكونَ الأفضلُ منه عندَه (١) أوجدَ، وإذا شُرِط على المأمورِ الشراءُ من صاحبِ الأفضلِ، فقد أُمر بشراءِ الجيدِ، كان ما عندَ المشترَى ذلك منه قليلًا الجيدُ أو كثيرًا. وإنَّما وجَّه من وجَّه تأويلَ ﴿أَزْكَى﴾ إلى الأكثرِ؛ لأنَّه وجَد العربَ تقولُ: قد زَكا مالُ فلانٍ. إذا كثرُ. وكما قال الشاعرُ (٢):

قَبائلُنا سَبْعٌ وأنتم ثَلاثَةٌ … ولَلسَّبْعُ أَزكَى مِن ثلاثٍ وأطيبُ

بمعنى: أكثرُ. وذلك وإن كان كذلك، فإنَّ الحلالَ الجيِّدَ، وإن قلَّ، أكثرُ من الحرامِ الخبيثِ وإن كثُر.

وقيل: ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا﴾. فأُضِيف إلى كنايةِ المدينةِ، والمرادُ بها أهلُها؛ لأنَّ تأويلَ الكلام: فلْيَنْظُرْ أيُّ أهلِها أزكَى طعامًا. لمعرفةِ السامع بالمرادِ مِن الكلام.

وقد يَحْتَمِلُ أن يكونوا عَنَوا بقولِهم: ﴿أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾: أَيُّها أحلُّ؛ من أجل أنَّهم كانوا فارَقوا قومَهم وهم أهلُ أوثانٍ، فلم يَسْتَجِيزوا أكلَ ذبيحتِهم.

وقولُه: ﴿فَلْيَأْتِكُم برزْقٍ مِنْهُ﴾. يقولُ: فَلْيَأْتِكم بقوتٍ منه تَقْتاتُونه، وطعامٍ تأْكُلونه.

كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلَمةُ، عن عبدِ العزيزِ بن أبي رَوَّادٍ، عن عبدِ اللهِ بن عبيدِ بن عُميرٍ: ﴿فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾. قال بطعامٍ.

وقوله: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾. يقولُ: وليترفقْ في شرائه ما يَشْتَرِى، وفي طريقِه ودخولِه المدينةَ، ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا﴾. يقولُ: ولا يُعْلِمَنَّ بكم أحدًا


(١) سقط من: ت ١، ت ٢، ف.
(٢) البيت في كتاب سيبويه ٣/ ٥٦٥ للقتال الكلابى، وفى مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ٢٣٧، ٣٩٧ غير منسوب، وفيه: "أكثر" بدل "أطيب".